مطلب : هل الكلام أفضل من السكوت أم العكس ؟ .
( المقام الثالث ) : في مسائل تتعلق بما ذكرنا . المسألة الأولى
هل الكلام أفضل من السكوت أم عكسه أفضل ؟ المعتمد أن الكلام أفضل لأنه من باب التحلية ، والسكوت من التخلية ، والتحلية أفضل ، ولأن المتكلم حصل له ما حصل للساكت وزيادة ، وذلك أن غاية ما يحصل للساكت السلامة وهي حاصلة لمن يتكلم بالخير مع ثواب الخير .
قال الإمام
الحافظ ابن رجب : تذاكروا عند
nindex.php?page=showalam&ids=13669الأحنف بن قيس أيما أفضل الصمت أو النطق ؟ فقال قوم الصمت أفضل ، فقال
الأحنف النطق أفضل ، لأن فضل الصمت لا يعدو صاحبه ، والمنطق الحسن ينتفع به من سمعه .
وقال رجل من العلماء عند
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : الصامت على علم كالمتكلم على علم ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : إني لأرجو أن يكون المتكلم على علم ، أفضلهما يوم القيامة حالا ، وذلك أن منفعته للناس وهذا صمته لنفسه . قال يا أمير المؤمنين وكيف بفتنة المنطق ، فبكى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر عند ذلك بكاء شديدا .
[ ص: 75 ] قال
الحافظ : ولقد خطب
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز يوما فرق الناس وبكوا ، فقطع خطبته ، فقيل له لو أتممت كلامك رجونا أن ينفع الله به ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : إن القول فتنة ، والفعل أولى بالمؤمن من القول .
قال
الحافظ رحمه الله تعالى : وكنت من مدة قد رأيت
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في المنام وسمعته يتكلم في هذه المسألة وأظن أني فاوضته فيها وفهمت من كلامه أن التكلم بالخير أفضل من السكوت وأظن أنه وقع في أثناء الكلام ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16044سليمان بن عبد الملك وأن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر قال ذلك له . وقد روي أن
nindex.php?page=showalam&ids=16044سليمان بن عبد الملك قال الصمت منام العقل والمنطق يقظته ، ولا يتم حال إلا بحال ، يعني لا بد من الصمت والكلام .
وما أحسن قول
عبيد الله بن أبي جعفر وكان أحد الحكماء يقول : إذا كان المرء يحدث في مجلس فأعجبه الحديث فليسكت ، وإذا كان ساكتا فأعجبه السكوت فليحدث . قال
الحافظ : وهذا حسن ، فإن من كان كذلك كان سكوته وحديثه بمخالفة هواه وإعجابه بنفسه . ومن كان كذلك كان جديرا بتوفيق الله إياه وتسديده في نطقه وسكوته ، لأن كلامه وسكوته يكون لله عز وجل .
وفي مراسيل
الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال {
علامة الطهر أن يكون قلب العبد عندي معلقا فإذا كان كذلك لم ينسني على حال ، وإذا كان كذلك مننت عليه بالاشتغال بي لا ينساني ، فإذا نسيني حركت قلبه ، فإن تكلم تكلم لي وإن سكت سكت لي ، فذلك الذي يأتيه المعونة من عندي } رواه
إبراهيم بن الجنيد .
ثم قال
الحافظ : وبكل حال فالتزام الصمت واعتقاده قربة إما مطلقا أو في بعض العبادات كالحج والاعتكاف والصيام منهي عنه . وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه {
نهى عن صيام الصمت } .
وخرج
الإسماعيلي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه قال {
: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصمت في العكوف } .
وفي سنن
أبي داود عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30893لا صمات يوم إلى الليل } .
[ ص: 76 ] وقال
أبو بكر رضي الله عنه لامرأة حجت مصمتة : إن هذا لا يحل ، هذا من عمل الجاهلية . وروي عن
علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنه وعن آبائه أنه قال : صوم الصمت حرام . والله تعالى أعلم .