مطلب : في أن
خير الأمور أوسطها :
وخير خلال المرء جمعا توسط الأمور وحال بين أردى وأجود
و ( خير ) مبتدأ ( خلال ) جمع خلة بفتح الخاء المعجمة ، وهي الخصلة ، أي خير خصال ( المرء ) أي الإنسان من الذكور ، والإناث ( جمعا ) أي كلها ( توسط ) خبر المبتدأ و ( الأمور ) مجرور بالإضافة أي أفضل شؤون
[ ص: 166 ] الإنسان مراعاة الوسط بين الخشونة والنعومة ، والرقيق الشفاف من الثياب ، والصفيق الخشن منها ، فخير الأمور أوسطها ( وحال بين ) حالين ( أردى وأجود ) فيكون بين طرفي الإفراط والتفريط .
قال
الجوهري : الوسط محركة من كل شيء : أعدله . قال تعالى {
جعلناكم أمة وسطا } أي عدلا . وذكره في القاموس أيضا ، وقال : ووسط الشيء محركة ، ما بين طرفيه كأوسطه ، فإذا سكنت كانت ظرفا ، أو هما فيما هو مصمت كالحلقة ، فإذا كانت أجزاؤه متباينة فبالإسكان فقط ، أو كل موضع صلح فيه بين فهو بالتسكين وإلا فبالتحريك . انتهى .
ودليل هذا يعني اختيار حالة التوسط أكثر من أن تذكر ، والقرآن مملوء من ذلك في شؤون شتى ، مثل {
ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا } {
ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط } . {
والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما } {
واقصد في مشيك واغضض من صوتك } ، والقصد ما بين الإسراف والتقتير .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني بسند رجاله رجال الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=12196أبي يعفور قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما يسأله رجل ما ألبس من الثياب ؟ قال : ما لا يزدريك فيه السفهاء ويعيبك به الحكماء . قال ما هو ؟ قال : بين الخمسة دراهم إلى العشرين درهما .
وفي كتاب الغيبة
nindex.php?page=showalam&ids=12455لابن أبي الدنيا عن سيدة النساء
nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة رضوان الله عليها ،
nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني في الكبير ، والأوسط عن
أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=20537شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم ، الذين يأكلون ألوان الطعام ، ويلبسون ألوان الثياب ، ويتشدقون في الكلام } هذا لفظ حديث سيدتنا
nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة .
ولفظ حديث
أبي أمامة {
nindex.php?page=hadith&LINKID=20499سيكون رجال من أمتي يأكلون ألوان الطعام ، ويشربون ألوان الشراب ويلبسون ألوان الثياب ، ويتشدقون في الكلام ، فأولئك شرار أمتي } وهما ضعيفان كما أشار إليهما
nindex.php?page=showalam&ids=16383المنذري رحمه الله تعالى . .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=15395النسائي من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16474عبد الله بن يزيد {
nindex.php?page=hadith&LINKID=44346أن رجلا من الصحابة يقال له عبيد قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن كثير من [ ص: 167 ] الإرفاه } قال في فتح الباري : الإرفاه بكسر الهمزة وبفاء آخره هاء ، التنعم والراحة . ومنه الرفه بفتحتين . وقيد في الحديث بالكثرة إشارة إلى أن الوسط المعتدل منه لا يذم . وبذلك جمع بين الأخبار . انتهى .
وقال الإمام الحافظ
ابن الجوزي رحمه الله تعالى : ينبغي للعالم أن يتوسط في ملبسه ونفقته وليكن إلى التقليل أميل ، فإن الناس ينظرون إليه . وينبغي الاحتراز مما يقتدى فيه به ، فإنه متى ترخص في الدخول على السلاطين وجمع الحطام فاقتدى به غيره كان الإثم عليه ، وربما سلم هو في دخوله ولم يفقهوا كيفية سلامته . ومقتضى كلام
ابن البنا أنه لا إثم عليه ، والله أعلم .