غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في حكم لبس المعصفر وما اشتدت حمرته .


وأحمر قان والمعصفر فاكرهن للبس رجال حسب في نص أحمد

( وأحمر قان ) فاكرهن لبسه للرجال . نص الإمام أحمد رضي الله عنه على كراهة لبس الأحمر المصمت .

قال في المغني : قال أصحابنا : يكره ، وهو مذهب ابن عمر رضي الله عنهما روى أنه اشترى ثوبا فرأى فيه خيطا أحمر فرده . وقول الناظم : قان ، أي شديد الحمرة يقال قنأ كمنع قنوءا اشتدت حمرته كما في القاموس ، وقال في باب المقصور : وأحمر قانئ صوابه بالهمز ووهم الجوهري انتهى .

قال في الآداب : ويكره للرجال لبس أحمر مصمت ، نص عليه . وقال موفق الدين : لا يكره . وعنه يكره شديد الحمرة دون خفيفها . ، والمعتمد من المذهب كراهة ذلك ، ولو بطانة .

قال في الآداب : وأول من لبس الثياب الحمر آل قارون أو آل فرعون ، ثم قرأ { فخرج على قومه في زينته } قال في ثياب حمر نقل ذلك عن الإمام رضي الله عنه . وقيل له رضي الله عنه : الثوب الأحمر تغطى به الجنازة ، فكرهه ، وقد روى ابن عمر رضي الله عنهما قال { مر على النبي [ ص: 175 ] صلى الله عليه وسلم رجل عليه بردان أحمران فسلم عليه فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه } رواه أبو داود والترمذي وحسنه ، والبزار .

وأخرج ابن أبي شيبة من مرسل الحسن { الحمرة زينة الشيطان والشيطان يحب الحمرة } ووصله أبو علي بن السكن وأبو أحمد بن عدي كما في الفتح . ومن طريقه البيهقي في الشعب من رواية أبي بكر الهذلي . وهو ضعيف عن الحسن عن رافع بن يزيد الثقفي رفعه { أن الشيطان يحب الحمرة فإياكم والحمرة وكل ثوب ذي شهرة } وأخرجه ابن منده . وقول الجورقاني : " إنه باطل " باطل ، بل الحديث ضعيف كما نبه عليه الحافظ ابن حجر في شرح البخاري .

وعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال : { خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رواحلنا أكسية فيها خيوط عهن أحمر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أرى هذه الحمرة قد علتكم فقمنا سراعا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نفر بعض إبلنا وأخذنا الأكسية فنزعناها عنها } رواه أبو داود .

وقال ابن عبد البر : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب من الألوان الخضرة ، ويكره الحمرة ويقول : هي زينة الشيطان } انتهى . وقولهم : الأحمر المصمت أي الذي لا يخالطه لون غير الاحمرار . قال في القاموس : وثوب مصمت لا يخالط لونه لون . فإن قلت : أليس موفق الدين ، وهو الإمام في النقل والتمكين قال : ثم دع عنك ما قاله زيد وعمرو ، واسمع لما جاء من سيد البشر . ففي الصحيحين من حديث أبي جحيفة رضي الله عنه قال { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلة حمراء ، ، ثم ركزت له عنزة فتقدم وصلى الظهر } . وفيهما عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه قال " ما رأيت من ذي لمة وحلة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم " والترمذي [ ص: 176 ] وحسنه عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال { : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه حلة حمراء } وأبو داود عن هلال بن عامر رضي الله عنه قال { : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على بغلة وعليه برد أحمر } أولى بالاتباع ، والاقتداء به فيه النجاة والانتفاع . وحديث رافع في إسناده رجل مجهول ويحتمل أن تلك كانت معصفرة فكرهها لذلك ، وإن قدر التعارض فأحاديث الإباحة أصح وأثبت ، والأخذ بها أولى وأرجح .

قلت : ما قلته غير بعيد الصواب ، ولكن قد قال الإمام المحقق في الهدي النبوي : غلط من ظن أن الحلة كانت حمراء بحتا لا يخالطها غيرها ، وإنما الحلة الحمراء بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمر مع الأسود كسائر البرود اليمنية ، وهي معروفة بهذا الاسم باعتبار ما فيها من الخطوط وإلا فالأحمر البحت نهي عنه أشد النهي انتهى . فهذا يبين لك بأن المراد بالحلة الحمراء ما كان فيها خطوط حمر ونحن اعتبرنا كونه أحمر مصمتا حتى يكون مكروها ، فإن لم يكن كذلك فلا كراهة حينئذ والله أعلم .

( و ) الثوب ( المعصفر ) ، وهو المصبوغ بالعصفر ، وهو كما في القاموس نبت يهري اللحم الغليظ وبذره القرطم ، قال : وعصفر ثوبه صبغه به فتعصفر ، انتهى . ( فاكرهن ) فعل أمر مؤكد بالنون الخفيفة ( للبس رجال حسب ) أي فقط دون النساء فلا يكره لهن لبس المعصفر ( في نص ) الإمام أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه فيكره للرجال لبس المعصفر في الأصح ، قال في الإقناع : إلا في إحرام فلا يكره انتهى .

ودليل الكراهة ما روى الإمام علي رضوان الله عليه قال { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لباس المعصفر } رواه مسلم .

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال { رأى النبي صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال : إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها } رواه مسلم أيضا . وروى أبو داود عن عمران بن حصين أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال { لا أركب الأرجوان ، ولا ألبس المعصفر } . [ ص: 177 ]

قال في الفروع : وكره الإمام أحمد المعصفر للرجال كراهة شديدة . قاله إسماعيل بن سعيد ، وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما { رأى النبي صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال أمك أمرتك بهذا ؟ قلت : أغسلهما قال : بل أحرقهما } . وعند الإمام الموفق لا يكره المعصفر وفاقا للثلاثة . واستظهره في الفروع ، ثم قال : والمذهب يكره .

وقال النووي من أئمة الشافعية : اختلف العلماء في الثياب المعصفرة ، وهي المصبوغة بعصفر ، فأباحها جميع العلماء من الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك ولكنه قال : غيرها أفضل منها . وجاءت رواية عنه أنه أجاز لباسها في البيوت وأفنية الدور وكرهه في المحافل ، والأسواق ، وقال جماعة : هو مكروه كراهة تنزيه ، وحملوا النهي على هذا ولما ذكر البيهقي حديث ابن عمر الذي ذكرناه . قال : فلو بلغ الشافعي لقال به اتباعا للسنة كعادته انتهى .

قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري : وقد كره المعصفر جماعة من السلف ورخص فيه جماعة . وممن قال بكراهته من أصحابنا الحليمي . واتباع السنة هو الأولى ، وقال : قال النووي في شرح مسلم : أتقن البيهقي المسألة انتهى . والله أعلم .

ولا تكرهن في نصه ما صبغته     من الزعفران البحت لون المورد

( ولا ) ناهية ( تكرهن ) فعل مضارع مجزوم بلا مؤكد بالنون الخفيفة ( في نصه ) أي الإمام أحمد رضي الله عنه ( ما ) أي الثوب الذي ( صبغته ) أي أنت أو غيرك ، فالمراد عدم كراهة الثوب المصبوغ ( من ) أي ب ( الزعفران ) هو نبت معروف قال في القاموس : وإذا كان في بيت لا يدخله سام أبرص ، وزعفره : صبغه بالزعفران . ( البحت ) أي المحض الذي ليس معه غيره ( لون المورد ) ومن أسماء الزعفران الورد ، ، والورد من الخيل ما بين الكميت ، والأشقر . فاللون المورد ما كان بين الحمرة [ ص: 178 ] والصفرة هذا مراد الناظم هنا ، وقد جزم بعدم كراهة لبس المزعفر للرجال على نص الإمام أحمد رضي الله عنه . وذلك لما روى الإمام عن ابن عمر رضي الله عنهما { أنه كان يصبغ ثيابه ويدهن بالزعفران ، فقيل له لم تصبغ ثيابك وتدهن بالزعفران ؟ فقال : لأني رأيته أحب الأصباغ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يدهن به ويصبغ به ثيابه } ورواه أبو داود والنسائي وفي لفظهما { ولقد كان يصبغ ثيابه به كلها حتى عمامته } .

وفي الآداب الكبرى : يباح المسك ، والمورد ويكره له المعصفر . زاد في الرعاية : في الأصح ، وكذا المزعفر على الأظهر . وفيه وجه يكره في الصلاة فقط ، وهو ظاهر ما في التلخيص ، والنص أنه لا يكره . وقطع في الشرح يعني شرح المقنع للإمام شمس الدين بن أبي عمر رحمهما الله تعالى بالكراهة .

وقال في الفروع : ويكره للرجل لبس المزعفر ، والمعصفر ، والأحمر المصمت ، وقيل لا ، ونقله الأكثر في المزعفر ، وهو مذهب ابن عمر وغيره وفاقا للإمام مالك . وذكر الآجري والقاضي وغيرهما تحريم التزعفر له ، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي .

واعلم أن الذي استقر عليه المذهب الآن كراهية لبس المزعفر ، جزم به في الإقناع ، والمنتهى ، والغاية وغيرها .

( تنبيهان ) : نفس التزعفر للرجال مكروه وجها واحدا ، ; لأنه عليه الصلاة والسلام { نهى الرجال عن التزعفر } . متفق عليه . قال في الفروع : حمل الخلال النهي عن التزعفر على بدنه في صلاته ، وحمله صاحب المحرر على التطيب به والتخلق به ; لأن خير طيب الرجال ما خفي لونه وظهر ريحه . انتهى .

وقد علمت أن المذهب كراهية لبس المزعفر كالتزعفر والله أعلم .

( الثاني ) : لا بأس بلبس المزعفر ، والمعصفر ، والأحمر المصمت للنساء ; لأن ذلك من الزينة ، وهي منها مطلوبة . وهذا مفهوم من كلام الناظم رحمه الله تعالى والله الموفق . .

التالي السابق


الخدمات العلمية