مطلب : نقل عن
الكمال بن الهمام تكفير من استقبح
تحنيك العمامة .
( التاسع ) : ذكر
الشمس الشامي في السيرة النبوية عن شيخ شيوخه الإمام العالم العلامة الشيخ
كمال الدين بن الهمام أحد أئمة السادة الحنفية في كتابه المسايرة : " من استقبح من آخر جعل بعض العمامة تحت حلقه كفر " . انتهى .
قلت : وهذا أمر عجيب ، ولكنه إلى الحق قريب .
وقد تذكرت هنا حكاية لا بأس بذكرها نقلتها من طبقات العليمي المسماة بالمقصد الأحمد في تراجم أصحاب الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، ذكرها في ترجمة
محمد بن أحمد المقدسي الخريشي الحنبلي ، وقد ترجمه أيضا
الشمس الداودي وقال : إنه ارتحل إلى
القاهرة واشتغل وأقام بها مدة طويلة حتى برع وتميز وتأهل للتدريس والفتوى وأجيز بذلك من شيوخه ، ثم قدم إلى
[ ص: 255 ] القدس وأقام بها زمانا ملازما على الدروس ، وكان عالما عاملا متقللا من الدنيا ، كثير التعبد ، طويل التهجد ، انتفع به أهل
القدس وكثير من أهل
نابلس ، وكان لا يجتمع بالأمراء ، ولا بالقضاة مع حرصهم على الاجتماع به ، وكان إمام السادة الحنابلة ومفتيهم ، وحصل بينه وبين
محمد بن أبي اللطف وحشة ومنافرة ; لأن
الخريشي لما رأى استحباب العذبة والتلحي أرخى له عذبة وتلحى ، وكان له تلامذة ومحبون يعتقدونه ويقتدون به ، فاقتدوا به في ذلك حتى أولاد المشايخ ، وصار بعض السفل يضحكون منه ومنهم ، ويأمرونهم بترك ذلك وهو غير مكترث بهم ، فأفتى
ابن أبي اللطف بأن التلحي بدعة ويعزر متعاطيه ، فتسلط السفل والسفهاء على المتلحيين يؤذونهم ويؤذون الشيخ ، ويقولون : هو مبتدع ، وسعوا في منعه من الوعظ ، فتحمل الأذى وصبر فلم يمض إلا مدة يسيرة حتى مات الشيخ
ابن أبي اللطف بداء السكتة ، فقال الناس : هذا من بركة
الخريشي وإنكاره على السنة .
فانظر - رحمك الله - بعين الاعتبار ، واجل ذكرك بالتدبر والافتكار ، وانظر في حكمة الحكيم القهار ، كيف جازى
اللطفي من جنس عمله كما هي سنة الله في خلقه وأهل ملله .
فإنه لما منع
الخريشي من نشر أعلام سنة المصطفى ، وسكته عن ذلك ، وتفوه هو بأذية هذا الولي أسكته الله - سبحانه - فلم يستطع أن يتفوه بكلمة واحدة .
ولما أمات سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم أماته الله جل شأنه .
ولما طوى بفتواه أعلام هذه السنة ودفنها جفت يده وطوي ذكره ، ودفن جسمه في صدع من الأرض جزاء وفاقا .
عياذا بك الله من مكرك .
والتجاء إليك من التجري عليك .
واعتصاما بك من تحليل حرام أو تحريم حلال .
يا ذا العفو والأفضال والعظمة والجلال .
وقد علمت مما ذكرنا أنه لا اعتبار بعرف حادث بل بعرف قديم والله هو الرءوف الرحيم .