غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : أذكار الصباح والمساء .

( و ) قل في ( الصباح ) من الذكر المروي عن سيد النصاح ، ومن عمت شمس رسالته الأغوار والبطاح ، ما أخرجه أهل المسانيد والسنن والصحاح ( و ) قل ( في المساء ) من الذكر ما عسى أن يلين به القلب الذي قد قسا ، بالذنوب والأسا .

اعلم أيها الناصح لنفسه ، المتزود لرمسه ، المنكب على الذكر والمستغرق بأنسه ، المتهيئ لمجاورة ربه في حضيرة قدسه ، أن أذكار طرفي النهار كثيرة جدا ، والحكمة فيه افتتاح النهار ، واختتامه بالأذكار التي عليها المدار ، وهي مخ العبادة ، وبها تحصل العافية والسعادة .

ونعني بطرفي النهار ما بين الصبح وطلوع الشمس ، وما بين العصر والغروب . قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا } والأصيل هو الوقت بعد العصر إلى المغرب ، وجمعه أصل وآصال وأصائل ، كأنه جمع أصيلة . قال الشاعر :

لعمري لأنت البيت أكرم أهله وأقعد في أفنائه بالأصائل

ويجمع أيضا على أصلان " مثل بعير وبعران ، ثم صغروا الجمع فقالوا أصيلان ، ثم أبدلوا عن النون لاما فقالوا : أصيلال " .

قال الشاعر

وقفت فيها أصيلالا أسائلها     أعيت جوابا وما بالربع من أحد

[ ص: 369 ] وقال تعالى { وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار } فالإبكار أول النهار ، والعشي آخره . وقال { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب } . وهذا يفسر ما جاء في الأحاديث من قال كذا وكذا حين يصبح وحين يمسي أن المراد به قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وأن محل هذه الأذكار بعد الصبح وبعد العصر . قاله الإمام المحقق ابن القيم في الكلم الطيب والعمل الصالح . فمن ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا رجل قال مثل ما قال أو زاد عليه } .

وفي صحيحه أيضا عن ابن مسعود رضي الله عنه قال { كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال : أمسينا وأمسى الملك لله ، والحمد لله ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها ، وأعوذ بك من شر هذه الليلة وشر ما بعدها ، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر ، رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر وإذا أصبح قال ذلك أيضا أصبحنا وأصبح الملك لله } . وروى أبو داود واللفظ له والترمذي وقال حسن صحيح غريب والنسائي عن عبد الله بن خبيب رضي الله عنه قال { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل قلت يا رسول الله ما أقول ؟ قال قل هو الله أحد ، والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء }

وروى الترمذي وقال حسن غريب عن معقل بن يسار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من قال حين يصبح ثلاث مرات : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر ، وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي ، وإن مات في ذلك اليوم مات شهيدا ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة } . [ ص: 370 ] وفي الترمذي أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه يقول : { إذا أصبح أحدكم فليقل : اللهم بك أصبحنا ، وبك أمسينا ، وبك نحيا ، وبك نموت ، وإليك النشور وإذا أمسى فليقل : اللهم بك أمسينا ، وبك أصبحنا ، وبك نحيا ، وبك نموت ، وإليك المصير } قال الترمذي حديث حسن صحيح

وروى أبو داود ولم يضعفه وتكلم فيه البخاري في تاريخه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من قال حين يصبح فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها ، وكذلك تخرجون ، أدرك ما فاته في يومه ذلك ومن قالها حين يمسي أدرك ما فاته في ليلته }

. وعن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { سيد الاستغفار : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت من قالها موقنا حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنة ، ومن قالها موقنا بها حين يصبح فمات من يومه دخل الجنة } رواه البخاري والنسائي والترمذي . وعنده { لا يقولها أحد حين يمسي فيأتي عليه قدر قبل أن يصبح إلا وجبت له الجنة } قال الحافظ المنذري : وليس لشداد في البخاري غير هذا الحديث ، ورواه أبو داود وابن حبان والحاكم من حديث بريدة رضي الله عنه

. قوله : أبوء بباء موحدة مضمومة وهمزة بعد الواو ممدودا معناه أقر وأعترف .

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب ، وكتب له مائة حسنة ، ومحيت عنه مائة سيئة ، وكانت له حرزا من الشيطان [ ص: 371 ] يومه ذلك حتى يمسي ، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه } .

وفي الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال { يا رسول الله علمني شيئا أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت ، قال : قل : اللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السموات والأرض رب كل شيء ومليكه ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه ، وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم قله إذا أصبحت ، وإذا أمسيت ، وإذا أخذت مضجعك } قال الترمذي حديث حسن صحيح .

وفيه عن عثمان بن عفان رضي الله عنه مرفوعا { ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة : بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يضره شيء } قال الترمذي حديث حسن صحيح . وفيه أيضا عن ثوبان وغيره ، وقال : حسن صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من قال حين يمسي وإذا أصبح رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ، كان حقا على الله أن يرضيه } . ورواه أبو داود عن أبي سلام وهو ممطور الحبشي أنه كان في مسجد حمص فمر به رجل فقالوا : هذا خدم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقام إليه فقال : حدثني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتداوله بينك وبينه الرجال فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { من قال إذا أصبح وإذا أمسى رضيت بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا إلا كان حقا على الله أن يرضيه } قال الحافظ المنذري : فينبغي أن يجمع بينهما فيقال : وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا " ورواه الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم وغيرهم . وعند الإمام أحمد أنه يقول ذلك ثلاث مرات حين يمسي وحين يصبح .

وهو في مسلم من حديث أبي سعيد من غير ذكر الصباح والمساء وقال في آخره { وجبت له الجنة } . ورواه الطبراني بإسناد حسن ، ولفظه عن المنيذر صاحب رسول الله [ ص: 372 ] وكان بإفريقية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { من قال إذا أصبح رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا فأنا الزعيم لآخذن بيده حتى أدخله الجنة } .

وفي سنن أبي داود بإسناد جيد لم يضعفه عن عبد الله بن غنام بالغين المعجمة والنون المشددة البياضي الصحابي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من قال حين يصبح : اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك ، فلك الحمد ولك الشكر ، فقد أدى شكر يومه ومن قال مثل ذلك حين يمسي ، فقد أدى شكر ليلته } ورواه النسائي أيضا عنه ، ورواه ابن حبان في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما بلفظه دون ذكر المساء . قال الحافظ المنذري : ولعله سقط من أصلي . وفي سنن أبي داود بإسناد جيد لم يضعفه عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من قال حين يصبح وحين يمسي : اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك أنك أنت الله لا إله إلا أنت ، وأن محمدا عبدك ورسولك ، أعتق الله ربعه من النار ، فمن قالها مرتين أعتق الله نصفه من النار ، ومن قالها ثلاثا أعتق الله ثلاثة أرباعه من النار ، ومن قالها أربعا أعتقه الله من النار } .

ورواه الترمذي بنحوه وقال حديث حسن ، والنسائي وزاد فيه بعد إلا أنت وحدك لا شريك لك ورواه الطبراني في الأوسط ولم يقل أعتق الله إلى آخره ، وقال إلا غفر الله له ما أصاب من ذنب في يومه ذلك ، فإن قالها إذا أمسى غفر الله له ما أصاب في ليلته تلك . وهو كذلك عند الترمذي .

وفي سنن أبي داود واللفظ له . والنسائي وابن ماجه والحاكم وقال : صحيح الإسناد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال { لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الكلمات حين يمسي وحين يصبح : اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة ، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي ، اللهم استر عوراتي ، وآمن روعاتي ، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي ، وأعوذ بعظمتك أن [ ص: 373 ] أغتال من تحتي } وقال وكيع : يعني الخسف .

وفي سنن النسائي والبزار بإسناد صحيح والحاكم وقال صحيح الإسناد على شرطهما عن أنس رضي الله عنه قال { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين } .

وفي أواسط الطبراني بإسناد حسن عن الحسن قال قال سمرة بن جندب { ألا أحدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارا ، ومن أبي بكر مرارا ، ومن عمر مرارا ؟ قلت : بلى ، قال من قال إذا أصبح وإذا أمسى : اللهم أنت خلقتني وأنت تهديني ، وأنت تطعمني ، وأنت تسقيني ، وأنت تميتني وأنت تحييني ، لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه قال : تلقيت عبد الله بن سلام فقلت : ألا أحدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارا ، ومن أبي بكر مرارا ، ومن عمر مرارا ؟ قال : بلى فحدثته بهذا الحديث فقال بأبي وأمي رسول الله ، هؤلاء الكلمات كان الله عز وجل قد أعطاهن موسى عليه السلام فكان يدعو بهن في كل يوم سبع مرات فلا يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه } .

وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه دعاء وأمره أن يتعاهد به أهله في كل يوم قال قل حين تصبح لبيك اللهم لبيك ، لبيك وسعديك ، والخير في يديك ، ومنك وإليك ، اللهم ما قلت من قول ، أو حلفت من حلف أو نذرت من نذر ، فمشيئتك بين يديه ، وما شئت كان ، وما لم تشأ لم يكن ، ولا حول ولا قوة إلا بك ، إنك على كل شيء قدير اللهم ما صليت من صلاة فعلى من صليت ، وما لعنت من لعنة فعلى من لعنت ، إنك أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين اللهم إني أسالك الرضا بعد القضاء ، وبرد العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك ، وشوقا إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة ، وأعوذ بك اللهم أن أظلم أو أظلم ، أو أعتدي أو يعتدى علي ، أو أكتسب خطيئة وذنبا لا تغفره اللهم فاطر السموات والأرض عالم [ ص: 374 ] الغيب والشهادة ذا الجلال والإكرام فإني أعهد إليك هذه الدنيا ، وأشهدك وكفى بالله شهيدا أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك ولا شريك لك ، لك الملك ولك الحمد وأنت على كل شيء قدير ، وأشهد أن محمدا عبدك ورسولك ، وأشهد أن وعدك حق ، ولقاءك حق ، والساعة آتية لا ريب فيها ، وأنت تبعث من في القبور ، وأنك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضعف وعورة وذنب وخطيئة ، وأني لا أثق إلا برحمتك ، فاغفر ذنوبي كلها إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت وتب علي إنك أنت التواب الرحيم } رواه الإمام أحمد والطبراني والحاكم وقال صحيح الإسناد

. وروى ابن أبي الدنيا في مكائد الشيطان عن وهيب بن الورد قال : خرج رجل إلى الجبانة بعد ساعة من الليل قال فسمعت حسا وأصواتا شديدة وجيء بسرير حتى وضع وجاء شيء حتى جلس عليه . قال واجتمعت إليه جنوده ثم صرخ فقال : من لي بعروة بن الزبير فلم يجبه أحد حتى قال ما شاء الله من أصوات ، فقال واحد أنا أكفيكه ، قال فتوجه نحو المدينة ، وأنا أنظر إليه فمكث ما شاء الله ثم أوشك الرجعة فقال لا سبيل لي إلى عروة ، قال ويلك لم ؟ قال : وجدته يقول كلمات إذا أصبح وإذا أمسى فلم يخلص إليه معهن . قال الرجل : فلما أصبحت قلت لأهلي جهزوني فأتيت المدينة فسألت عنه حتى دللت عليه فإذا هو شيخ كبير ، فقلت شيئا تقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت ، فأبى أن يخبرني ، فأخبرته بما رأيت وما سمعت ، فقال : ما أدري غير أني أقول إذا أصبحت آمنت بالله العظيم ، وكفرت بالجبت والطاغوت ، واستمسكت بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ، إذا أصبحت ثلاث مرات ، وإذا أمسيت ثلاث مرات .

وذكره الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب والإمام المحقق ابن القيم في الكلم الطيب والعمل الصالح ، وغيرهما من الأئمة رضوان الله عليهم . ومعنى أوشك أسرع وزنا ومعنى .

وفي سنن أبي داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال { دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد ، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة ، فقال له : يا أبا أمامة مالي أراك جالسا في المسجد في غير [ ص: 375 ] وقت الصلاة ؟ فقال : هموم لزمتني وديون يا رسول الله ، قال أفلا أعلمك شيئا إذا قلته أذهب الله همك وقضى عنك دينك ؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال قل إذا أصبحت وإذا أمسيت اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل ، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال قال : ففعلت فأذهب الله همي وقضى عني ديني } .

وفي الكلم الطيب للإمام ابن القيم عن طلق بن حبيب قال { جاء رجل إلى أبي الدرداء فقال يا أبا الدرداء قد احترق بيتك ، فقال : ما احترق لم يكن الله ليفعل ذلك لكلمات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم من قالها أول نهاره لم تصبه مصيبة حتى يمسي ، ومن قالها آخر نهاره لم تصبه مصيبة حتى يصبح : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم ، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، أعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله أحاط بكل شيء علما اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم } .

رواه ابن السني . وفي رواية من طريق آخر عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفيه أنه تكرر مجيء الرجل إلى أبي الدرداء يقول : أدرك دارك فقد احترقت ، وهو يقول ما احترقت ; لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { من قال حين يصبح هذه الكلمات وذكر هذه الكلمات لم يصبه في نفسه ، ولا أهله ، ولا ماله شيء يكرهه وقد قلتها اليوم ثم قال : انهضوا بنا فقام وقاموا معه فانتهوا إلى داره ، وقد احترق ما حولها ، ولم يصبها شيء } .

قلت : والشيء بالشيء يذكر ، حدثني عدة من الثقات يبلغ حد التواتر أنه أشتد الغلاء وارتفع السعر وعدم البر في ديرتنا .

فجهز الوالد السعيد الحاج أحمد بن سالم السفاريني - رحم الله روحه ونور ضريحه - جماعة ليحضروا إلى نواحي صور وتلك السواحل فيشتروا منها الحنطة وينزلوا في المراكب ففعلوا ، فلما كان بعد أيام جاءه رجل فقال إن المراكب التي أوسقت من نواحي كذا قد تكسرت ، والمركب الذي أوسقه عاملك معها ، فقال في [ ص: 376 ] الحال رحمه الله تعالى : إن المركب الذي فيه مالنا ما انكسر ولا ضاع ; لأنه بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ما ضاع مال في بر أو بحر إلا بسبب منع الزكاة } ، وقد علم الله أن مالي مزكى ، فكيف يتلف ؟ فاتفق أن المراكب تكسرت وتلف ما فيها ما عدا المركب التي فيها مال أبي رحمه الله تعالى .

فهذه الواقعة تدل على قوة يقين الوالد وحسن معرفته بالله تعالى وعظيم اتكاله على الله - جل شأنه ، والله الموفق .

( فائدة ) : روى الطبراني بإسناد حسن عن عبد الله بن يسر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من استفتح أول نهاره بخير ، وختمه بخير قال الله - عز وجل - لملائكته : لا تكتبوا ما بين ذلك من الذنوب } .

وروى الترمذي والبيهقي من رواية تمام بن نجيح عن الحسن عن أنس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما من حافظين يرفعان إلى الله - عز وجل - ما حفظا من ليل أو نهار فيجد في أول الصحيفة ، وفي آخرها خيرا إلا قال للملائكة : أشهدكم أني قد غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة } .

التالي السابق


الخدمات العلمية