ثم نهى الناظم عن صحبة الأحمق فقال :
مطلب : في
النهي عن مصاحبة الحمقى وذوي الجهل : ولا تصحب الحمقى فذو الجهل إن يرم صلاحا لأمر يا أخا الحزم يفسد ( ولا تصحب ) أي لا تعاشر ، يقال صحبه كسمعه صحابة ويكسر ، وصحبه عاشره واستصحبه دعاه إلى الصحبة ولازمه ، فنهاك الناظم أن تصحب ( الحمقى ) قال في القاموس : حمق ككرم وغنم حمقا بالضم وبضمتين وحماقة وانحمق واستحمق فهو أحمق قليل العقل ، وقوم ونسوة حماق وحمق بضمتين وكسكرى وسكارى ويضم .
وفي المطالع في قوله أرأيت إن عجز واستحمق أي فعل فعل الحمقى . والأحموقة الفعلة الواحدة من فعل الحمق . وفي القاموس فعل فعل الحمقى كاستحمق .
وقال في لغة الإقناع : الحمق ارتكاب الخطأ على بصيرة يظنه صوابا . وقيل وضع الشيء في غير موضعه مع العلم بقبحه . وقيل استحسان ما تستقبحه العقلاء ، انتهى .
ثم بين الناظم رحمه الله علة ترك مصاحبته بقوله ( فذو ) أي صاحب ( الجهل ) ضد العلم ( إن يرم ) أي يطلب وهو مجزوم على أنه فعل الشرط الذي هو إن وفاعله ضمير يعود على ذي الجهل الذي هو الأحمق ( صلاحا لأمر ) من الأمور التي أفسدها هو أو غيره أو فسدت بنفسها ( يا أخا ) يا صاحب ( الحزم ) وهو ضبط الأمر والأخذ فيه بالثقة كالحزامة والحزومة ، يقال حزم ككرم فهو حازم وحزيم وجمعه حزمة وحزماء ( يفسد ) مجزوم على أنه جواب الشرط وحرك بالكسر للقافية . وأشار بهذا إلى ما رواه
الدينوري في المجالسة عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : لا تواخ
[ ص: 480 ] الفاجر فإنه يزين لك فعله ويحب لو أنك مثله ، ومدخله عليك ومخرجك من عنده شين وعار ، ولا الأحمق فإنه يجهد نفسه لك ولا ينفعك ، وربما أراد أن ينفعك فضرك ، فسكوته خير من نطقه ، وبعده خير من قربه ، وموته خير من حياته ، ولا الكذاب فإنه لا ينفعك معه عشرة ، ينقل حديثك وينقل الحديث إليك ، وإن تحدث بالصدق لا يصدق . وقيل مكتوب في التوراة من اصطنع معروفا إلى أحمق فهي خطيئة مكتوبة عليه .
وقال بعضهم : صارم الأحمق فليس له خير من الهجران . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري : هجران الأحمق قربة إلى الله تعالى .
وقال
ابن عبد القدوس في قافيته :
ولأن يعادي عاقلا خير له
من أن يكون له صديق أحمق
وقال بعضهم :
اتق الأحمق لا تصحبه إنما الأحمق كالثوب الخلق
فهو إن رقعته من جانب عاد من هون سريعا فانخرق
فلا يسوغ لك أيها العاقل الرشيد ، صحبة مثل هذا الأحمق البليد ، فإنه يسوءك بحمقه وتأنبه ، ولا تعرف رضاه من غضبه .
وقد ألف الإمام الحافظ
ابن الجوزي كتابا حافلا في الحمقى والمغفلين ، وكتابا في الأذكياء ، وهما من ألطف الكتب وأغزرهما فوائد .