( تنبيه ) :
خلاصة القول في الرضا بالقضاء في نحو ما يخالف به الطاعة ، ويكتسب به الإثم وخسران البضاعة ، أنا نرضى بالقضاء الذي هو فعل الرب جل شأنه ، دون المقضي الذي هو فعل العبد ، وبه تعلم أن الخلق غير المخلوق ، والفعل غير المفعول ، والقضاء غير المقضي .
وقال
ابن القيم في شرح منازل السائرين : الرضا بالقضاء الديني الشرعي واجب وهو أساس الإسلام وقاعدة الإيمان ، فيجب على العبد أن يكون راضيا به بلا حرج ولا منازعة ولا معارضة ولا اعتراض . قال تعالى {
فلا [ ص: 533 ] وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } فأقسم سبحانه أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله ، ويرتفع الحرج من نفوسهم من حكمه ، ويسلموا لحكمه ، وهذا حقيقة الرضا بحكمه ; فالتحكيم في مقام الإسلام ، وانتفاء الحرج في مقام الإيمان ، والتسليم في مقام الإحسان . ومتى خالط القلب بشاشة الإيمان ، واكتحلت بصيرته بحقيقة اليقين ، وحيي بروح الوحي وتمهدت طبيعته ، وانقلبت النفس الأمارة مطمئنة راضية وادعة ، وتلقى أحكام الرب تعالى بصدر واسع منشرح مسلم ، فقد رضي كل الرضا بهذا القضاء الديني المحبوب لله ورسوله . والرضا بالقضاء الكوني القدري الموافق لمحبة العبد وإرادته ورضاه من الصحة والغنى والعافية واللذة أمر لازم لمقتضى الطبيعة ، فإنه ملائم للعبد محبوب له ، فليس في الرضا به عبودية في مقابلته بالشكر والاعتراف بالمنة ووضع النعمة مواضعها التي يحب الله أن توضع فيها ، وأن لا يعصي المنعم بها .
والرضا بالقضاء الكوني القدري الجاري على خلاف مراد العبد ومحبته مما يلائم ولا يدخل تحت اختياره مستحب ، وهو من مقامات الإيمان ، وفي وجوبه قولان ، وهذا كالمرض والفقر وأذى الخلق له ، والحر والبرد والآلام . والرضا بالقضاء والقدر الجاري عليه باختياره مما يكرهه الله ويسخطه وينهى عنه كأنواع الظلم والفسوق والعصيان حرام يعاقب عليه ، وهو مخالفة لربه تعالى ، فإنه جل ثناؤه لا يرضى بذلك ولا يحبه ، فكيف تتفق المحبة والرضا بما يسخطه الحبيب ويبغضه . قال
ابن القيم رحمه الله تعالى : فعليك بهذا التفصيل في مسألة الرضا بالقضاء ، وأطال رحمه الله تعالى .