ولما ذكر الناظم جملا من الآداب الشرعية يحصل لمن حصلها إن لم يداركه لطف ويلاحظه توفيق إعجاب وكبر حذر منهما بقوله رحمه الله :
[ ص: 567 ]
مطلب : في
التحذير عن الإعجاب والكبر :
وإياك والإعجاب والكبر تحظ بالسعادة في الدارين فارشد وأرشد ( وإياك ) أيها الطالب الذي حصل أسنى المطالب ( والإعجاب ) أي احذره وانفر منه ولا تساكنه فإنه إنما يصدر عن رؤية النفس والرضا عنها واستشعار وصف كمال . وتقدم الفرق بين العجب والكبر بأن الكبر خلق باطن يصدر عنه أعمال ، وذلك الخلق هو رؤية النفس فوق المتكبر عليه ، ولا بد من وجود من يتكبر عليه . والعجب يتصور ولو لم يكن أحد غير المعجب . وقد يكون الكبر ناشئا عن العجب ، فإن من أعجب بشيء تكبر به .
قال الإمام الحافظ
ابن الجوزي : إنما يكون العجب لاستشعار وصف كمال ، ومن أعجب بعلمه استعظمه ، فكأنه يمن على الخالق سبحانه وتعالى بطاعته ، وربما ظن أنها جعلت له عند الله موضعا ، وأنه قد استوجب بها جزاء . ومن أعجب بعمله منعه عجبه من الازدياد . وعلة العجب الجهل المحض .
( و ) إياك و ( الكبر ) فإنه آفة عظيمة ومعصية جسيمة . وقد قدمنا من مثالب العجب والكبر ما فيه كفاية فلا حاجة إلى الإعادة . فإن أنت اجتنبتهما وأبعدت عنهما ولم تساكنهما ولا واحدا منهما ( تحظ بالسعادة ) أي تمل إليها وتظفر بها . والسعادة خلاف الشقاوة وتقدم الكلام عليها ( في الدارين ) أي الدنيا والآخرة ، وكذا في البرزخ وهو ما بينهما ولكنه بالآخرة أشبه .
فكأن الناظم ألحقه بالآخرة ( فارشد ) من رشد أي اتخذ الرشد واتصف به في ذاتك ، يقال رشد كنصر وفرح رشدا ورشدا ورشادا اهتدى ( وأرشد ) لغيرك ، من أرشد ، لتكون عالما عاملا معلما ، فتكون حينئذ ربانيا . قال في القاموس : الرشد الاستقامة على طريق الحق مع تصلب فيه ، وتقدم الكلام على ذلك والله أعلم .