المسألة الثامنة :
قوله تعالى : {
فمن كان منكم مريضا أو على سفر } :
للمريض ثلاثة أحوال : أحدها : ألا يطيق الصوم بحال ، فعليه الفطر واجبا .
الثاني أنه يقدر على الصوم بضرر ومشقة ; فهذا يستحب له الفطر ، ولا يصوم إلا جاهل .
وقد أنبأنا
أبو الحسن الأزدي ، أنبأنا الشيخ
أبو مسلم عمر بن علي الليثي الحارثي قال : أخبرنا
الحيري ، أخبرنا
أبو عبد ربه محمد بن عبد الله الحاكم ، حدثني
أبو سعيد النسوي أحمد بن محمد ، حدثني
أبو حسان صهيب بن سليم قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12070محمد بن إسماعيل البخاري يقول : اعتللت
بنيسابور علة خفيفة ، وذلك في شهر رمضان ، فعادني
nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه في نفر من أصحابه ، فقال لي : أفطرت يا
أبا عبد الله ، فقلت : نعم فقال : خشيت أن أضعف عن قبول الرخصة
قلت : أنبأنا
عبدان عن
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=16568لعطاء :
من أي المرض أفطر ؟ قال : من أي مرض كان ، كما قال الله تعالى : {
فمن كان منكم مريضا }
[ ص: 111 ]
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : ولم يكن هكذا الحديث عند
إسحاق ، وهو الثالث .
الثالث : المسافر : والسفر في اللغة مأخوذ من الانكشاف والخروج من حال إلى حال ; وهو في عرف اللغة عبارة عن خروج يتكلف فيه مؤنة ، ويفصل فيه بعد في المسافة ، ولم يرد فيه من الشارع نص ، ولكن ورد فيه تنبيه ، وهو قوله عليه السلام في الصحيح : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31415لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم منها } . وفي تقديره اختلاف كثير بيناه في المسائل .
والعمدة فيه أن العبادة تثبت في الذمية بيقين ، فلا براءة لها إلا بيقين مسقط ; وقدر السفر مشكوك فيه حتى يكون سفرا ظاهرا ، فيسقط الأصل على ما بيناه في أصول الفقه ، وبحثه فيما يتعلق بمسألتنا أن الله تعالى لما علق الحكم بالسفر علمت
العرب ذلك بفضل علمها بلسانها ، وجري عادتها في أعمالها ; فلما جاء الأمر اقتصرنا فيه على العربية ، وعلى هذا الأمر مبنى الخلاف ; فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي :
أقل السفر يوم وليلة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : أقله ثلاثة أيام ، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31415لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفر يوم وليلة } .
وفي حديث : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=40700وسفر ثلاثة أيام } وفي آخر وذكر تمامه ; فرأى
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة أن السفر يتحقق في ثلاثة أيام : يوم يتحمل فيه عن أهله ، ويوم ينزل فيه في مستقره ، واليوم الأوسط هو الذي يتحقق فيه السير المجرد ، بتحمل لا عن موضع الإقامة ، ونزول لا في موضع الإقامة .
وقلنا له : إذا كان السفر متحققا في اليوم الثاني كما سردت فاليوم الأول مثله ، ولا عبرة
[ ص: 112 ] بالتحمل عن الأهل والوطن ، وإنما المعول في تحقيق السفر على المبيت في غير المنزل ، ثم التحديد بستة وثلاثين ميلا ، أو ثمانية وأربعين ميلا مراحل لا تدرك بتحقيق أبدا ، وإنما هي ظنون ; فرجل احتاط وزاد ، ورجل ترخص ، ورجل تقصر ، والله أعلم .