الآية التاسعة قوله تعالى : {
ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين } .
فيها مسألتان :
المسألة الأولى : الفاحشة : قد تقدم بيانها ; وإنما ذكر الله هذه المعصية ، وهي
إتيان الرجال باسم الفاحشة ليبين أنها زنا ، كما قال : {
ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة } .
المسألة الثانية :
أخبر الله تعالى عنهم بأنهم لما ارتكبوا هذه الفاحشة أرسل عليهم حجارة من سجيل جزاء على فعلهم .
وقد اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال : الأول : أنه يعزر ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة . الثاني :
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وجماعة : يحد حد الزاني ، محصنا بجزائه وبكرا بجزائه .
[ ص: 317 ]
الثالث : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : يرجم أحصن أو لم يحصن ; وقاله
nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء وجماعة .
أما من قال : إنه يعزر فتعلق بأن هذا لم يزن ، وعقوبة الزاني معلومة ; فلما كانت هذه المعصية غيرها وجب ألا يشاركها في حدها .
وأما من قال : إنه زنا فنحن الآن نثبته مع
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ردا على
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة الذي يجعله بمنزلة الوطء بين الفخذين ، فيقول : قد بينا مساواته للزنا في الاسم ، وهي الفاحشة ، وهي مشاركة له في المعنى ; لأنه معنى محرم شرعا ، مشتهى طبعا ; فجاز له أن يتعلق به الحد إذا كان معه إيلاج وهذا الفقه صحيح . وذلك أن الحد للزجر عن الموضع المشتهى ، وقد وجد ذلك المعنى كاملا ; بل هذا أحرم وأفحش ; فكان بالعقوبة أولى وأحرى .
فإن قيل : هذا وطء في فرج لا يتعلق به إحلال ولا إحصان ، ولا وجوب مهر ، ولا ثبوت نسب ; فلم يتعلق به حد .
قلنا : هذا بيان لمذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ; فإن بقاء هذه المعاني فيه لا يلحقه بوطء البهيمة ، إنما يعظم أمره على الوطء في القبل تعظيما يوجب عليه العقوبة فيه ، أحصن أو لم يحصن ; ألا ترى إلى عقوبة الله عليه ما أعظمها .
فإن قيل : عقوبة الله لا حجة فيها لوجهين : أحدهما : أن قوم
لوط إنما عوقبوا على الكفر .
الثاني : أن صغيرهم وكبيرهم دخل فيها . فدل على خروجها عن باب الحدود .
فالجواب أنا نقول : أما قولهم إن الله عاقبهم على الكفر لهذا غلط ; فإن الله أخبر أنهم كانوا على معاص فأخذهم منها بهذه ، ألا تسمعه يقول : {
أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون } .
قالوا له : لئن لم تنته لنفعلن بك يا
لوط ، ففعل الله بهم قبل ذلك .
الثاني : أنه إنما أخذ الصغير والكبير ; لسكوت الجملة عليه والجماهير ; فكان منهم
[ ص: 318 ] فاعل ، وكان منهم راض ; فعوقب الجميع ، وبقي الأمر في العقوبة على الفاعلين مستمرا .
وقد روى
أبو داود ،
والترمذي ،
nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي ، وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37555من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به } .
فإن قيل : فقد روى هؤلاء الأئمة وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37554من وجدتموه قد أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة } .
قلنا : هذا الحديث متروك بالإجماع ، فلا يلتفت إليه ، وليس يلزم إذا سقط حديث بالإجماع أن يسقط ما لم يجمع عليه .