المسألة الرابعة :
قوله : { ولا تنازعوا فتفشلوا } : وهذا أصل عظيم في المعقول والمشروع ; وذلك أن الله خلق القوة ليظهر بها الأفعال ، وقدرته سبحانه واحدة تعم المقدورات ، وقدر الخلق حادثة متعددة تتعلق بالمقدورات على اختلاف أنواعها [ وأجرى الله ] العادة بأن القدرة إذا كثرت على رأي قوم
[ ص: 419 ] أو بقيت على رأي آخرين والأول أصح حسبما بيناه في الأصول ظهر المقدور بالنسبة إلى القدرة إن كان كثيرا فكثيرا أو قليلا فقليلا ، وكذلك تظهر المفعولات بحسب ما يلقي الله في القلوب من الطمأنينة ، فإذا ائتلفت القلوب على الأمر استتب وجوده ، واستمر مريره ، وإذا تخلخل القلب قصر عن النظر ، وضعفت الحواس عن القبول ، والائتلاف طمأنينة للنفس ، وقوة للقلب ، والاختلاف إضعاف له ; فتضعف الحواس ، فتقعد عن المطلوب ، فيفوت الغرض ; وذلك قوله : {
ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم } ، وكنى بالريح عن اطراد الأمر ومضائه بحكم استمرار القوة فيه والعزيمة عليه ، وأتبع ذلك بالأمر بالصبر الذي يبلغ العبد به إلى كل أمر متعذر بوعده الصادق في أنه مع الصابرين . .