المسألة الثانية : قوله : {
ومنهم من عاهد الله } : قيل : إنه عاهد بقلبه ، والدليل عليه قوله : {
ومنهم من عاهد الله } إلى قوله : {
فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه } وهذا استنباط ضعيف ، واستدلال عليه فاسد فإنه يحتمل أن يكون عاهد الله بلسانه ، ولم يعتقد بقلبه العهد .
ويحتمل أن يكون عاهد الله بهما جميعا ، ثم أدركته سوء الخاتمة فإن الأعمال بخواتيمها ، والأيام بعواقبها .
ولفظ اليمين ورد في الحديث ، وليس في ظاهر القرآن يمين إلا مجرد الارتباط والالتزام ، أما أنه بصيغة القسم في المعنى فإن اللام تدل عليه ، وقد أتى بلامين : اللام الواحدة الأولى لام القسم بلا كلام ، والثانية لام الجواب ، وكلاهما للتأكيد .
ومنهم من قال : إنهما لاما القسم ، وليس يحتاج إلى ذلك ، وقد بيناه في الملجئة ، وكيفما كان الأمر بيمين أو بالتزام مجرد عن اليمين ، أو بنية ، فإنه عهد .
وكذلك قال علماؤنا : إن
العهد والطلاق وكل حكم ينفرد به المرء ولا يفتقر في عقده إلى غيره ، فإنه يلزمه منه ما يلتزمه بقصده ، وإن لم يتلفظ به .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة : لا يلزم أحدا حكم إلا بعد أن يلفظ به .
والدليل على صحة ما ذهبنا إليه ما رواه
أشهب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، وقد سئل : إذا
نوى رجل الطلاق بقلبه ولم يلفظ به بلسانه ، يلزمه ذلك أم لا ؟ فقال يلزمه ، كما يكون مؤمنا بقلبه ، وكافرا بقلبه .
وهذا أصل بديع ، وتحريره أن يقال عقد لا يفتقر المرء فيه إلى غيره في التزامه ، فانعقد عليه بنية .
أصله الإيمان والكفر .
[ ص: 549 ] وقد بيناه في كتاب الإنصاف أحسن بيان ، فلينظر هناك إن شاء الله تعالى وقد أشرنا إلى هذا الغرض قبل هذا بمرماة من النظر تصيبه ، وهذا يعضده ويقويه .