المسألة الثانية : في المعنى : إن الله لما استنفرهم لغزو
الروم ، ودعاهم إلى
الخروج لغزوة تبوك بادر المخلصون ، وتوقف المنافقون والمتثاقلون ، وجعلوا يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم في التخلف ، ويعتذرون إليه بأعذار منها كفر ، كقول
الحر بن قيس : ائذن لي ولا تفتني ببنات
بني الأصفر ; فإني لا أقدر على الصبر عنهن ، فأنزل الله تعالى : {
ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا } .
ومنهم من قال : {
لا تنفروا في الحر قل نار جهنم } .
وقال في أهل العذر الصحيح : {
ليس على الضعفاء ولا على المرضى } إلى : {
من سبيل } .
وهم الذين صدقوا في حالهم ، وكشفوا عن عذرهم ، وهي :
المسألة الثالثة : التي بين الله في قوله : {
وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم } .
فأخبر الله سبحانه أن الناس ثلاثة أقسام : صنف معذر ، وهو المقصر .
وصنف ذو عذر .
وصنف لم يعتذر بعذره ، ولا أظهر شيئا من أمره ، بل أعرض عن ذلك كله ، يقال : عذر الرجل بتشديد الذال : إذا قصر ، وأعذر إذا أبان عن عذره ، وكل واحد منها يدخل على صاحبه .
وقد قرئ المعذرون بإسكان العين ، وتخفيف
[ ص: 562 ] الذال ، وبذلك قال جماعة من الناس ; لكن يكشف المعنى فيه حقيقة الحال منه ، ولذلك عقبه الله تعالى بقوله : {
ما على المحسنين من سبيل } وهم الذين أبدوا عن عذر صحيح ، أو علم الله صدق عذرهم فيما لم يبد عليهم دليل من حالهم .
والعجب من
القاضي أبي إسحاق يقول : إن سياق الكلام يقتضي أنهم الذين لا عذر لهم : وأنهم مذمومون ; لأنهم جاءوا ليؤذن لهم ، ولو كانوا من الضعفاء أو المرضى لم يحتاجوا أن يستأذنوا ; وليس الأمر كذلك ; بل كل أحد يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم ويعلمه بحاله ، فإن كان مرئيا فالعيان شاهد لنفسه ، وإن كان غير مرئي مثل عجز البدن وقلة المال ، فالله شهيد به ، وهو أعدل الشاهدين ، يلقي اليقين على رسوله بصدق عذر المعتذرين إليه ، ويخلق له القبول في قلبه له .