الآية السادسة والثلاثون قوله تعالى {
خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم } .
فيها ست مسائل :
المسألة الأولى : قوله تعالى
{ خذ } : هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، فيقتضي بظاهره اقتصاره عليه ، فلا يأخذ الصدقة سواه ، ويلزم على هذا سقوطها بسقوطه ، وزوال تكليفها بموته ، وبهذا تعلق مانعو الزكاة على
[ ص: 575 ] nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق ، وقالوا عليه : إنه كان يعطينا عوضا عنها التطهير ، والتزكية لنا ، والصلاة علينا ، وقد عدمناها من غيره ، ونظم في ذلك شاعرهم فقال :
أطعنا رسول الله ما كان بيننا فيا عجبا ما بال ملك nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر وإن الذي سألوكم فمنعتم
لكالتمر أو أحلى لديهم من التمر سنمنعهم ما دام فينا بقية
كرام على الضراء في العسر واليسر
وهذا صنف من القائمين على
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر أمثلهم طريقة ، وغيرهم كفر بالله من غير تأويل ، وأنكر النبوة ، وساعد
مسيلمة ، وأنكر وجوب الصلاة والزكاة .
وفي هذا
الصنف الذي أقر بالصلاة ، وأنكر الزكاة وقعت الشبهة
nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر حين خالف
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر في قتالهم ، وأشار عليه بقبول الصلاة منهم وترك الزكاة ، حتى يتعهد الأمر ، ويظهر حزب الله ، وتسكن سورة الخلاف ; فشرح الله صدر
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر للحق ، وقال : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ; فإن الزكاة حق في المال ، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : فوالله ما هو إلا أن شرح الله صدر
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر للقتال ، فعرفت أنه الحق .
وبهذا اعترضت
الرافضة على
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق ، فقالوا : عجل في أمره ، ونبذ السياسة وراء ظهره ، وأراق الدماء .
قلنا : بل جعل كتاب الله بين عينيه ، وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ، والقرآن يستنير به ، والسياسة تمهد سبلها فإنه قال : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة .
وصدق
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق ، فإن الله يقول : {
فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين } ; فشرطهما ، وحقق العصمة بهما ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=2081أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله } .
فقال
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر حين تعلق بهذا الحديث : فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1713إلا بحقها } .
والزكاة حق المال ، فالصلاة تحقن الدم ، والزكاة تعصم المال .
[ ص: 576 ] وقد جاء في الحديث الصحيح : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=2081أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة } .
وأما السياسة فما عداها فإنه لو ساهلهم في منع الزكاة لقويت شوكتهم ، وتمكنت في القلوب بدعتهم ، وعسر إلى الطاعة صرفهم ، فعاجل بالدواء قبل استفحال الداء .
فأما إراقته للدماء فبالحق الذي كان عصمها قبل ذلك ، وإراقة الدماء يا معشر
الرافضة في توطيد الإسلام وتمهيد الدين آكد من إراقتها في طلب الخلافة ، وكل عندنا حق ، وعليكم في إبطال كلامكم ، وضيق مرامكم خنق .
فأما قولهم : إن هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم فلا يلتحق غيره فيه به ، فهذا كلام جاهل بالقرآن غافل عن مأخذ الشريعة ، متلاعب بالدين ، متهافت في النظر ; فإن الخطاب في القرآن لم يرد بابا واحدا ، ولكن اختلفت موارده على وجوه منها في غرضنا هذه ثلاثة :
الأول : خطاب توجه إلى جميع الأمة ، كقول : {
يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة } وكقوله : {
يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام } ونحوه .
الثاني : خطاب خص به النبي صلى الله عليه وسلم كقوله : {
ومن الليل فتهجد به نافلة لك } .
وكقوله في آية الأحزاب : {
خالصة لك من دون المؤمنين } ; فهذان مما أفرد النبي صلى الله عليه وسلم بهما ، ولا يشركه فيهما أحد لفظا ومعنى ، لما وقع القول به كذلك .
الثالث : خطاب خص به النبي صلى الله عليه وسلم قولا ويشركه فيه جميع الأمة معنى وفعلا ، كقوله : {
أقم الصلاة لدلوك الشمس } .
وكقوله : {
فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } وكقوله : {
وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة } .
[ ص: 577 ] فكل من دلكت عليه الشمس مخاطب بالصلاة ، وكذلك كل من قرأ القرآن مخاطب بالاستعاذة ، وكذلك كل من خاف يقيم الصلاة بتلك الصفة .
ومن هذا القبيل قوله : {
خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } فإنه صلى الله عليه وسلم الآمر بها ، والداعي إليها ، وهم المعطون لها ، وعلى هذا المعنى جاء قوله : {
يا أيها النبي اتق الله } و {
يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } .
وقد قيل له : {
فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك } .
وما كان ليشك ، ولكن المراد من شك من الناس ممن كان معه في وقته .