الآية الثالثة قوله تعالى :
{ ومما رزقناهم ينفقون }
[ ص: 18 ] فيها مسألتان : المسألة الأولى : في اشتقاق النفقة : وهي عبارة عن الإتلاف ، ولتأليف " نفق " في لسان العرب معان ، أصحها الإتلاف ، وهو المراد هاهنا ، يقال نفق الزاد ينفق إذا فني ، وأنفقه صاحبه : أفناه ، وأنفق القوم : فني زادهم ، ومنه قوله تعالى : {
إذا لأمسكتم خشية الإنفاق }
المسألة الثانية : في وجه هذا الإتلاف : وذلك يختلف ، إلا أنه لما اتصل بالمدح تخصص من إجماله جملة .
وبعد ذلك التخصيص اختلف العلماء فيه على خمسة أقوال : الأول : أنه الزكاة المفروضة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
الثاني : أنه نفقة الرجل على أهله قاله
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود .
الثالث : صدقة التطوع قاله
الضحاك .
الرابع : أنه وفاء الحقوق الواجبة العارضة في المال باختلاف الأحوال ما عدا الزكاة .
الخامس : أن ذلك منسوخ بالزكاة .
التوجيه : أما وجه من قال : " إنه الزكاة " فنظر إلى أنه قرن بالصلاة ، والنفقة المقترنة [ في كتاب الله تعالى ] بالصلاة هي الزكاة .
وأما من قال : إنه النفقة على عياله فلأنه
أفضل النفقة .
روي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=22349عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له رجل : عندي دينار : قال : أنفقه على نفسك قال : عندي آخر ، قال : أنفقه على أهلك } ، وذكر الحديث ، فبدأ بالأهل بعد النفس .
[ ص: 19 ] وفي الصحيح {
nindex.php?page=hadith&LINKID=3131أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الصدقة على القرابة صدقة وصلة }
وأما من قال : إنه صدقة التطوع فنظر إلى أن الزكاة لا تأتي إلا بلفظها المختص بها ، وهو الزكاة ، فإذا جاءت بلفظ الصدقة احتملت الفرض والتطوع ، وإذا جاءت بلفظ الإنفاق لم يكن إلا التطوع .
وأما من قال : إنه في الحقوق العارضة في الأموال ما عدا الزكاة فنظر إلى أن الله تعالى لما قرنه بالصلاة كان فرضا ، ولما عدل عن لفظها كان فرضا سواها .
وأما من قال : إنه منسوخ فنظر إلى أنه لما كان بهذا الوجه فرضا سوى الزكاة ، وجاءت الزكاة المفروضة فنسخت كل صدقة جاءت في القرآن ، كما نسخ صوم رمضان كل صوم ، ونسخت الصلاة كل صلاة .
ونحو هذا جاء في الأثر التنقيح : إذا تأمل اللبيب المنصف هذه التوجيهات تحقق أن الصحيح المراد بقوله : {
يؤمنون بالغيب } : كل غيب أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كائن ، وقوله : {
ويقيمون الصلاة } : عام في كل صلاة فرضا كانت أو نفلا .
وقوله : {
ومما رزقناهم ينفقون } عام في كل نفقة ، وليس في قوة هذا الكلام القضاء بفرضية ذلك كله ، وإنما علمنا الفرضية في الإيمان والصلاة والنفقة من دليل آخر ، وهذا القول بمطلقه يقتضي مدح ذلك كله خاصة كيفما كانت صفته .