المسألة الثانية : في قوله تعالى {
ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع } لا يجوز لأحد أن يتعلق به في طرح عياله وولده بأرض مضيعة اتكالا على العزيز الرحيم ، واقتداء بفعل
إبراهيم ، كما تقول الغلاة من
الصوفية في
حقيقة التوكل ; فإن
إبراهيم فعل ذلك بأمر الله ; لقولها له في هذا الحديث : آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم ، ولما كان بأمر منه أراد تأسيس الحال وتمهيد المقام ، وخط الموضع
للبيت المحرم والبلدة الحرام ، أرسل الملك فبحث بالماء ، وأقامه مقام الغذاء ، ولم يبق من تلك الحال إلا هذا المقدار ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34856ماء زمزم لما شرب له } .
[ ص: 98 ]
وقد اجتزأ به
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبو ذر ليالي أقام
بمكة ينتظر لقاء النبي صلى الله عليه وسلم ليستمع منه قال : حتى سمنت وتكسرت عكن بطني ، وكان لا يجترئ على السؤال ولا يمكنه الظهور ولا التكشف ، فأغناه الله بماء
زمزم عن الغذاء ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذا موجود فيه إلى يومه ذلك ، وكذلك يكون إلى يوم القيامة لمن صحت نيته ، وسلمت طويته ، ولم يكن به مكذبا ولا شربه مجربا ; فإن الله مع المتوكلين ، وهو يفضح المجربين . ولقد كنت
بمكة مقيما في ذي الحجة سنة تسع وثمانين وأربعمائة ، وكنت أشرب ماء
زمزم كثيرا ، وكلما شربته نويت به العلم والإيمان حتى فتح الله لي بركته في المقدار الذي يسره لي من العلم ، ونسيت أن أشربه للعمل ; ويا ليتني شربته لهما ، حتى يفتح الله علي فيهما ، ولم يقدر ; فكان صغوي إلى العلم أكثر منه إلى العمل ، ونسأل الله الحفظ والتوفيق برحمته .