المسألة الثالثة :
قال جماعة : إن هذه الآية منسوخة بآية براءة ، وهذا لا يصح ; لأنه أمر هاهنا بقتال من قاتل ، وكذلك أمر بذا بعده ، فقال تعالى {
: وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة } بيد أن
أشهب روى عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أن المراد هاهنا أهل
المدينة ، أمروا بقتال من قاتلهم .
وقال غيره : هو خطاب للجميع ، وهو الأصح ; أمر كل أحد أن يقاتل من قاتله ، إذ لا يمكن سواه ; ألا تراه كيف بينها تعالى في سورة براءة بقوله {
: قاتلوا الذين [ ص: 145 ] يلونكم من الكفار } ; وذلك لأن المقصود أولا كان أهل
مكة فتعينت البداية بهم ، وبكل من دونهم أو عاونهم ; فلما فتح الله تعالى
مكة كان القتال لمن يلي ممن كان يؤذي ، حتى تعم الدعوة وتبلغ الكلمة جميع الآفاق ، ولا يبقى أحد من الكفرة ، وذلك متماد إلى يوم القيامة ، ممتد إلى غاية هي قول النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14173الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة : الأجر والغنيمة } .
وذلك لبقاء القتال ; وذلك لقوله تعالى {
: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله } وقيل غايته نزول
عيسى ابن مريم عليه السلام قال صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=44322 : ينزل فيكم ابن مريم [ ص: 146 ] حكما مقسطا يكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية } .
وذلك موافق للحديث قبله ; لأن نزول
عيسى عليه السلام من أشراط الساعة ، وسيقاتل الدجال ، ويأجوج ومأجوج ، وهو آخر الأمر .
وقال جماعة من الفقهاء : إن
الجهاد بعد فتح مكة ليس بفرض إلا أن يستنفر الإمام أحدا منهم قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري : ومال إليه
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون ، وظنه قوم
nindex.php?page=showalam&ids=12بابن عمر حين رأوه مواظبا على الحج تاركا للجهاد ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31102لا هجرة بعد الفتح ، ولكن جهاد ونية ، وإذا استنفرتم فانفروا } . ثبت ذلك عنه .
وهذا هو دليلنا ; لأنه أخبر أن الجهاد باق بعد الفتح ، وإنما رفع الفتح الهجرة ، وذلك لقوله تعالى : {
وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } ; يعني كفرا {
ويكون الدين لله } .
ومواظبة
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنه على الحج ; لأنه اعتقد الحق ، وهو أن الجهاد فرض
[ ص: 147 ] على الكفاية إذا قام به بعض المسلمين سقط عن الباقين ، ويحتمل أن يكون رأى أنه لا يجاهد مع ولاة الجور .
والأول أصح ; لأنه قد كان في زمانه عدول وجائرون ، وهو في ذلك كله مؤثر للحج مواظب عليه .