المسألة الخامسة :
قوله تعالى { : ولا تعتدوا } : فيها ثلاثة أوجه : أحدها : لا تقتلوا من لم يقاتل ، وعلى هذا تكون الآية منسوخة بقوله تعالى : {
وقاتلوا المشركين كافة } و {
فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } .
الثاني : أن معنى قوله تعالى {
: ولا تعتدوا } أي لا تقاتلوا على غير الدين ، كما
[ ص: 148 ] قال تعالى : {
وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم } يعني دينا .
الثالث : ألا يقاتل إلا من قاتل ، وهم الرجال البالغون ; فأما
النساء والولدان والرهبان فلا يقتلون ; وبذلك أمر
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق رضي الله عنه
nindex.php?page=showalam&ids=293يزيد بن أبي سفيان حين أرسله إلى
الشام إلا أن يكون لهؤلاء إذاية .
وفيه ست صور : الأولى : النساء : قال علماؤنا :
لا تقتلوا النساء إلا أن يقاتلن ; لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلهن ; خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم والأئمة ، وهذا ما لم يقاتلن ، فإن قاتلن قتلن .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : في حالة المقاتلة .
والصحيح جواز قتلهن ، إذا قاتلن على الإطلاق في حالة المقاتلة وبعدها لعموم قوله تعالى : {
وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم } وقوله تعالى {
: واقتلوهم حيث ثقفتموهم } وللمرأة آثار عظيمة في القتال ; منها الإمداد بالأموال ، ومنها التحريض على القتال ، فقد كن يخرجن ناشرات شعورهن ، نادبات ، مثيرات للثأر ، معيرات بالفرار ، وذلك يبيح قتلهن .
[ ص: 149 ] الثانية : الصبيان ; فلا يقتل الصبي لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الذرية ، خرجه الأئمة كلهم ، فإن قاتل قتل حالة القتال ، فإذا زال القتال ففي سماع
يحيى في العتبية يقتل ، وكذلك المرأة .
والصحيح أنه لا يقتل ، فإنه لا تكليف عليه ، وفي ثمانية
أبي زيد : لا تقتل المرأة ولا الصبي إذا قاتلا ، وأخذا بعد ذلك أسيرين إلا أن يكونا قتلا ، وهذا لا يصح ; لأن القتل هاهنا ليس قصاصا ، وإنما هو ابتداء وحد ، والذي يقوي عندي قتل المرأة لما فيها من المنة ، والعفو عن الصبي لعفو الله سبحانه عنه في مسائل الذنوب .
الثالثة : الرهبان : قال علماؤنا : لا يقتلون ولا يسترقون ; بل يترك لهم ما يعيشون به من أموالهم ، وهذا إذا انفردوا عن أهل الكفر ، لقول
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر رضي الله عنه
nindex.php?page=showalam&ids=293ليزيد بن أبي سفيان : " وستجد أقواما حبسوا أنفسهم فذرهم وما حبسوا أنفسهم له ، فإن كانوا مع الكفار في الكنائس قتلوا " .
ولو
ترهبت المرأة روى
nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب عنه أنها لا تهاج ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : لا يغير الترهب حكمها .
والصحيح
عندي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب ; لأنها داخلة تحت قوله : فذرهم وما حبسوا أنفسهم له .
الرابعة :
الزمنى : قال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : يقتلون ، وقال
ابن حبيب : لا يقتلون .
والصحيح
عندي أن تعتبر أحوالهم ; فإن كان فيهم إذاية قتلوا ، وإلا تركوا وما هم بسبيله من الزمانة ، وصاروا مالا على حالهم .
[ ص: 150 ] الخامسة :
الشيوخ : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في كتاب
محمد : لا يقتلون ، ورأيي قتلهم ; لما روى
nindex.php?page=showalam&ids=15395النسائي عن
nindex.php?page=showalam&ids=24سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13697اقتلوا الشيوخ المشركين واستحيوا شرخهم } .
وهذا نص ، ويعضده عموم القرآن ووجود المعنى فيهم من المحاربة والقتال ، إلا أن يدخلهم التشيخ والكبر في حد الهرم والفند ، فتعود زمانة ، ويلحقون بالصورة الرابعة وهي الزمنى ، إلا أن يكون في الكل إذاية بالرأي ، ونكاية بالتدبير فيقتلون أجمعون ، والله أعلم .
السادسة : العسفاء : وهم الأجراء والفلاحون ، وكل من هؤلاء حشوة .
وقد اختلف فيهم ; فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في كتاب
محمد : لا يقتلون ، وفي وصية
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق رضي الله عنه
nindex.php?page=showalam&ids=293ليزيد بن أبي سفيان : " لا تقتلن عسيفا " .
والصحيح
عندي قتلهم ; لأنهم إن لم يقاتلوا فهم ردء للمقاتلين ، وقد اتفق أكثر العلماء على أن الردء يحكم فيه بحكم المقاتل ، وخالفهم
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ; وقد مهدنا الدليل في المسألة ، وأوضحنا وجوب قتله في مسائل الخلاف بما فيه غنية ، والله أعلم .