الآية التاسعة قوله تعالى : {
وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون } .
فيها ست مسائل :
المسألة الأولى : قد بينا في شرح الحديث وكتب الأصول أن الوحي ينقسم على ثمانية أقسام : منها الإلهام ، وهو ما يخلقه الله في القلب ابتداء من غير سبب ظاهر ، وهو من قوله تعالى : {
ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها } . ومن ذلك البهائم وما يخلق الله فيها من درك منافعها ، واجتناب مضارها ، وتدبير معاشها .
ومن عجيب ما خلق الله في النحل أن ألهمها لاتخاذ بيوتها مسدسة ; فبذلك اتصلت حتى صارت كالقطعة الواحدة ; وذلك أن الأشكال من المثلث إلى المعشر إذا جمع كل واحد منها إلى أمثاله لم يتصل ، وجاءت بينهما فرج إلا الشكل المسدس فإنه إذا جمع إلى أمثاله التسديس ، يحمي بعضها بعضا عند الاتصال . وجعلت كل بيت على قدرها ، فإذا تشكل عند حركة النحلة بقدرة الله وعلمه ، وملأته عسلا انتقلت إلى غيره بتسخير الله وتقديره وتذليله ، إن تركت عسلت ، وإن حملت اتبعت ، وهي ذات جناح ، ولكن القابض الباسط هو الذي سخرها ودبرها .
[ ص: 137 ]
المسألة الثانية : قوله : {
يخرج من بطونها شراب } : يعني : العسل ، عددها الله في نعمه ، وذكر شرابه ممتنا به ، وسماه شرابا وإن كان مطعوما ; لأنه يصرف في الأشربة أكثر من تصريفه في الأطعمة ، ولأنه مائع ، وذلك بالشرابية أخص كما أن الجامد أخص بالطعامية .
المسألة الثالثة : قوله : {
مختلف ألوانه } : يريد أنواعه من الأحمر والأبيض والأصفر ، والجامد والسائل ; والأم واحدة ، والأولاد مختلفون ، دليل على أن القدرة نوعته بحسب تنويع الغذاء ، وإن كان لا يخرج على صفته ، ولا يجيء إلا من جنسه ، ولكن يؤثر بعض التأثير فيه ليدل عليه ; ويغيره الله ، لتتبين قدرته في التصريف بين الأمرين ، كما قال تعالى : {
يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل } .