المسألة السابعة :
هذه الآية حجزة بين الكفر والإيمان والبدعة والسنة ، وذلك أن الله أدب رسوله عليه السلام بربط الأمور بمشيئة الله ، تقدس تعالى ، وأجمعت الأمة على أن
الرجل لو قال لرجل آخر له عليه حق : والله لأعطينك حقك غدا إن شاء الله ، فجاء الغد ولم يعطه شيئا أنه لا حنث عليه في يمينه ، ولا يلحقه فيه كذب ، والتأخير معصية من الغني
[ ص: 231 ] القادر ، ولو كان الله لم يشأ التأخير ; لأنه معصية ، وهو لا يشاء المعاصي ، كما يقولون ، إذن كان يكون الحالف كاذبا حانثا .
ألا ترى أنه
لو قال : والله لأعطينك حقك إن عشت غدا ، فعاش فلم يعطه كان حانثا كاذبا .
وعند معتزلة
البصرة وبغداد أن مشيئة الله لإعطاء هذا الحالف ما عليه من الحق أمره ، وقد علم حصول أمره بذلك ، فيجب أن يكون استثناء الحالف بمشيئة الله في ذلك المعلوم حصوله بمنزلة استثناء الحالف بكل معلوم حصوله ، وكما لو
قال : والله لأعطينك حقك إن أمرني الله غدا بذلك . ولا فرق بينهما ، بيد أن أهل
البصرة قالوا : إن الله أراد إعطاء حق هذا إرادة متقدمة للأمر به ، وبذلك صار الأمر أمرا ، وهي متجددة في كل وقت ، والحالف كاذب على كل قول من أقوالهم ، حانث .
وقد زعم
البغداديون أن مشيئة الله هي تقية العبد إلى غد وتأخيره له ، ورفع العوائق عنه . ولو كان صحيحا لوجب إذا أصبح الحالف حيا باقيا سالما من العوائق أن يكون كاذبا حانثا إذا لم يعطه حقه .
وقد قالوا : إنما لم يلزمه الحنث إذا قال : إن شاء الله ; رخصة من الشرع .
قلنا : حكم الشرع بسقوط الحرج والحنث عنه إذا قال : إن شاء الله ، وبقائه عليه إذا قال : إن أبقاني الله دليل على أن الفرق بينهما بين معنى ، كما هو بين لفظا ; إذ لو كان معنى واحدا لما اختلف الحكم .
ومنهم من قال : إن معناه إلا أن يشاء الله إلجائي إليه ، وهذا فاسد ; فإن الله لو ألجأه إليه لم يتصور التكليف فيه بالإلزام ; لأن الإكراه على فعل الشيء مع الأمر به عندهم محال ، فلا وجه لقولهم بحال .
وقد بسطناه في كتب الأصول بأعم من هذا التفصيل .