المعنى : شهر بشهر وحرمة بحرمة ، وصار ذلك أصلا في كل مكلف قطع به عذر أو عدو عن عبادة ثم قضاها أن الحرمة واحدة والمثوبة سواء .
وقيل : إن المشركين قالوا : أنهيت يا
محمد عن القتال في شهر الحرام ؟ قال : نعم ، فأرادوا قتاله فيه ، فنزلت الآية .
المعنى إن استحلوا ذلك فيه فقاتلهم عليه ، فإن الحرمة بالحرمة قصاص .
قال علماؤنا : وهذا دليل على أن
لك أن تبيح دم من أباح دمك ، وتحل مال من استحل مالك ، ومن أخذ عرضك فخذ عرضه بمقدار ما قال فيك ، ولذلك كله تفصيل : أما من أباح دمك فمباح دمه لك ، لكن بحكم الحاكم لا باستطالتك وأخذ لثأرك بيدك ، ولا خلاف فيه .
وأما من أخذ مالك فخذ ماله إذا تمكنت منه ، إذا كان من جنس مالك : طعاما بطعام ، وذهبا بذهب ، وقد أمنت من أن تعد سارقا .
وأما إن تمكنت من ماله بما ليس من جنس مالك فاختلف العلماء ; فمنهم من قال :
[ ص: 159 ] لا يؤخذ إلا بحكم حاكم ، ومنهم من قال : يتحرى قيمته ويأخذ مقدار ذلك ، وهو الصحيح
عندي .
وأما إن أخذ عرضك فخذ عرضه لا تتعداه إلى أبويه ولا إلى ابنه أو قريبه .
لكن ليس لك أن تكذب عليه ، وإن كذب عليك ، فإن المعصية لا تقابل بالمعصية ; فلو قال لك مثلا : يا كافر ، جاز لك أن تقول له : أنت الكافر ; وإن قال لك : يا زان ، فقصاصك أن تقول : يا كذاب ، يا شاهد زور .
ولو قلت له : يا زان ، كنت كاذبا فأثمت في الكذب ، وأخذت فيما نسب إليك من ذلك ، فلم تربح شيئا ، وربما خسرت .
وإن
مطلك وهو غني دون عذر قل : يا ظالم ، يا آكل أموال الناس .
قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=33760لي الواجد يحل عرضه وعقوبته } . أما عرضه فبما فسرناه ، وأما عقوبته فبالسجن حتى يؤدي .
وعندي أن العقوبة هي أخذ المال كما أخذ ماله ، وأما إن
جحدك وديعة وقد استودعك أخرى فاختلف العلماء فيه ; فمنهم من قال : اصبر على ظلمه ، وأد إليه أمانته ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=729أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك } .
[ ص: 160 ] ومنهم من قال : اجحده ، كما جحدك ; لكن هذا لم يصح سنده ، ولو صح فله معنى صحيح ، وهو إذا أودعك مائة وأودعته خمسين فجحد الخمسين فاجحده خمسين مثلها ، فإن جحدت المائة كنت قد خنت من خانك فيما لم يخنك فيه ، وهو المنهي عنه ، وبهذا الأخير أقول ، والله أعلم .
المسألة الثانية : قوله تعالى : {
فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } : هذه الآية عموم متفق عليه وعمدة فيما تقدم بيانه وفيما جانسه .