وقال علماؤنا : هذه الآية وعد حق وقول صدق ، يدل ذلك على
صحة إمامة الخلفاء الأربعة ; لأنه لم يتقدمهم أحد في الفضيلة إلى يومنا هذا ، فأولئك مقطوع بإمامتهم ، متفق عليهم . وصدق وعد الله فيهم ، وكانوا على الدين الذي ارتضى لهم ; واستقر الأمر لهم ، وقاموا بسياسة المسلمين ، وذبوا عن حوزة الدين ، فنفذ الوعد فيهم ، وصدق الكلام فيهم ، وإذا لم يكن هذا الوعد بهم ينجز ، وفيهم نفذ ، وعليهم ورد ففيمن يكون إذن ؟ وليس بعدهم مثلهم إلى يومنا هذا ، ولا يكون فيما بعده . قام
أبو بكر بدعوة الحق ، واتفاق الخلق ، وواضح الحجة ، وبرهان الدين ، وأدلة اليقين ، فبايعه
[ ص: 410 ] الصحابة ، ثم استخلف
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فلزمت الخلافة ، ووجبت النيابة ، وتعين السمع والطاعة ، ثم جعلها
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر شورى ، فصارت
لعثمان بالنظر الصحيح ، والتبجيل الصريح ، والمساق الفسيح ; جعل الثلاثة أمرهم إلى ثلاثة ، ثم أخرج
عبد الرحمن نفسه بشرط أن يكون إلى من اختاره من الرجلين ، فاختار
عثمان ، وما عدل عن الخيار ، وقدمه وحقه التقديم على
nindex.php?page=showalam&ids=8علي .
ثم قتل
عثمان مظلوما في نفسه ، مظلوما جميع الخلق فيه ، فلم يبق إلا
nindex.php?page=showalam&ids=8علي أخذا بالأفضل فالأفضل ، وانتقالا من الأول إلى الأول ، فلا إشكال لمن جنف عن المحال أن التنزيل على هؤلاء الأربعة وعد الله في هذه الآية .
ثم كملت لحال
أبي بكر فاتحة وخاتمة .
ثم كملت
nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر ، وكسر الباب ، فاختلط الخشار باللباب ، وانجرت الحال مع
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان واضحة للعقلاء ، معترضا عليها من الحمقى ، ثم نفذ القدر بقتله إيثارا للخلق منه على نفسه وأهله ، ثم قام علي أحسن قيام لو ساعده النقض والإبرام ، ولكنه وجد الأمور نشرا ، وما رام رتق خصم إلا انفتق عليه خصم ، ولا حاول طي منتشر إلا عارضه عليه أشر ، ونسبت إليه أمور هو منها بريء براءة الشمس من الدنس ، والماء من القبس ، وطالبه الأجل حتى غلبه ، فانقطعت الخلافة ، وصارت الدنيا ملكا تارة لمن غلب ، وأخرى لمن خلب ، حتى انتهى الوعد الصادق ابتداؤه وانتهاؤه .
أما الابتداء فهذه الآية ، وأما الانتهاء فبحديث
nindex.php?page=showalam&ids=3571سفينة قال
سعيد بن حمدان عن
nindex.php?page=showalam&ids=3571سفينة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=18545خلافة النبوة ثلاثون سنة ، ثم يؤتي الله الملك من يشاء } . قال
سعيد : قال لي
nindex.php?page=showalam&ids=3571سفينة : أمسك عليك ،
أبو بكر سنتين ،
nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر عشرا ،
وعثمان اثنتي عشرة ،
nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي كذا . قال
سعيد : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=3571لسفينة : إن هؤلاء يزعمون أن
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا لم يكن خليفة . قال : كذبت
[ ص: 411 ] استاءه
بنو الزرقاء يعني بني مروان زاد في رواية : اعدد ;
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر كذا ،
nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر كذا ،
وعثمان كذا ،
nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي كذا ،
والحسن ستة أشهر ، فهؤلاء ثلاثون سنة .
وقد روى
الترمذي وغيره {
nindex.php?page=hadith&LINKID=5251أن رجلا قام إلى الحسن بن علي بعدما بايع nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية ، فقال له : يا مسود وجوه المؤمنين . فقال : لا بأس ، رحمك الله ، فإن النبي أري بني أمية على منبره فساءه ذلك ، فنزلت : { إنا أعطيناك الكوثر } . ونزلت : { إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر } . }
يملكها بعدك
بنو أمية يا
محمد .
قال
القاسم راوي الحديث : فعددناها فإذا هي ألف شهر ، لا تزيد ولا تنقص .
وفي الحديث الصحيح {
nindex.php?page=hadith&LINKID=2795أن النبي أجلس الحسن في حجره على المنبر ، وقال : إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين } . المسألة الثالثة :
فإن قيل : هذا الوعد يصح لكم في
أبي بكر وحده ، فأما
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فأي أمن معه ، وقد قتل غيلة .
وعثمان قد قتل غلبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي قد نوزع بالجنبة والجلبة .
قلنا : هذا كلام جاهل غبي أو متهاون ، يكن على نفاق خفي ، أما
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان فجاءهما أجلهما ، وماتا ميتتهما التي كتب الله لهما ، وليس في ضمن الأمن السلامة من الموت بأي وجه وقع .
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=8علي فلم يكن نزاله في الحرب مذهبا للأمن ، فليس من شرط الأمن رفع الحرب ، إنما من شرطه ملك الإنسان لنفسه باختياره ، وسلامته عن الغلبة المشحونة بالذلة ، كما كان أصحاب النبي
بمكة ، فأما بعدما صاروا إلى
المدينة فقد آلوا إلى الأمن والعزة .
في الصحيح عن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=43112 nindex.php?page=showalam&ids=211خباب بن الأرت قال شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له [ ص: 412 ] في ظل الكعبة ، فقلنا له : ألا تستنصر لنا ، ألا تدعو الله لنا ؟ قال : كان الرجل فيمن كان قبلكم يحفر له في الأرض ، فيجعل فيه فيجاء بالمنشار ، فيوضع على رأسه ، فيشق باثنين ، وما يصده ذلك عن دينه ، ويمشطه بأمشاط الحديد ما دون لحم من عظم وعصب ، وما يصده ذلك عن دينه ، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه . ولكنكم تستعجلون } .
وحقيقة الحال أنهم كانوا مقهورين فصاروا قاهرين ، وكانوا مطلوبين فعادوا طالبين ، وهذا نهاية الأمن والعز . المسألة الرابعة :
قال قوم : إن هذا وعد لجميع الأمة في ملك الأرض كلها تحت كلمة الإسلام ، كما قال صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19804زويت لي الأرض ، فأريت مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها } .
قلنا لهم : هذا وعد عام في النبوة والخلافة ، وإقامة الدعوة ، وعموم الشريعة ، بنفاذ الوعد في كل أحد بقدره وعلى حال ، حتى في المفتين والقضاة والأئمة ; وليس للخلاف محل تنفذ فيه هذه الموعدة الكريمة إلا من تقدم من الخلفاء الأربعة .