قوله تعالى : {
ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } فيها مسألتان :
المسألة الأولى : في سبب نزولها : روى الأئمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر ، قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24736فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى ، فأهلوا بالحج ، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ، ثم [ ص: 196 ] مكث قليلا حتى طلعت الشمس ، وأمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة ، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها . . } وذكر الحديث .
المسألة الثانية : اختلف الناس في المراد بهذه الإفاضة على قولين :
أحدهما : أن المراد به من
عرفات مخالفة
لقريش ; قاله الجماعة .
الثاني : المراد به من
المزدلفة إلى
منى ; قاله
الضحاك .
وإنما صار إلى ذلك لأنه رأى الله تعالى ذكر هذه الإفاضة بعد ذكره الوقوف
بالمشعر الحرام ،
والإفاضة التي بعد الوقوف بالمشعر الحرام هي الإفاضة إلى
منى .
وأجاب عن ذلك علماؤنا بأربعة أجوبة : الأول : أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، التقدير ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ، فإذا أفضتم من
عرفات مع الناس فاذكروا الله عند
المشعر الحرام . والتقديم والتأخير كثير في القرآن ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري .
الثاني : أن ثم بمعنى الواو ، كما قال تعالى : {
ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة } .
الثالث : أن معناه : ثم ذكرنا لكم أفيضوا من حيث أفاض الناس ، فيرجع التعقيب إلى ذكر وجود الشيء لا إلى نفس وجوده ، كقوله تعالى : {
ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن } . المعنى : ثم أخبرناكم آتينا
موسى الكتاب ; فيكون التعقيب في الإخبار لا في الإيتاء .
الرابع : وهو التحقيق أن المعنى فإذا أفضتم من
عرفات فاذكروا الله عند
المشعر الحرام : يا معشر من حل
بالمشعر الحرام أفيضوا من حيث أفاض الناس . وأخر الله تعالى الخطاب إلى
المشعر الحرام ليعم من وقف
بعرفة ومن لم يقف حتى يمتثله مع من وقف .