صفحة جزء
المسألة الرابعة : هذه الآية هي الأصل في قتال المسلمين ، والعمدة في حرب المتأولين ، وعليها عول الصحابة ، وإليها لجأ الأعيان من أهل الملة ، وإياها عنى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : { يقتل عمارا الفئة الباغية } وقوله في شأن الخوارج : { يخرجون على خير فرقة من الناس } [ ص: 126 ] أو على حين فرقة ، والرواية الأولى أصح لقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق ، وكان الذي قتلهم علي بن أبي طالب [ ومن كان معه ] فتقرر عند علماء المسلمين ، وثبت بدليل الدين أن عليا رضي الله عنه كان إماما ، وأن كل من خرج عليه باغ ، وأن قتاله واجب حتى يفيء إلى الحق ، وينقاد إلى الصلح ; لأن عثمان رضي الله عنه قتل ، والصحابة برآء من دمه ; لأنه منع من قتال من ثار عليه ، وقال : لا أكون أول من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بالقتل ; فصبر على البلاء ، واستسلم للمحنة ، وفدى بنفسه الأمة ، ثم لم يمكن ترك الناس سدى ، فعرضت الإمامة على باقي الصحابة الذين ذكرهم عمر في الشورى ، وتدافعوها ، وكان علي أحق بها وأهلها ، فقبلها حوطة على الأمة أن تسفك دماؤها بالتهارج والباطل ، ويتخرق أمرها إلى ما لا يتحصل ، وربما تغير الدين ، وانقض عمود الإسلام ; فلما بويع له طلب أهل الشام في شرط البيعة التمكين من قتلة عثمان وأخذ القود منهم ، فقال لهم علي : ادخلوا في البيعة ، واطلبوا الحق تصلوا إليه فقالوا : لا تستحق بيعة وقتلة عثمان معك نراهم صباحا ومساء ، فكان علي في ذلك أسد رأيا ، وأصوب قولا ; لأن عليا لو تعاطى القود منهم لتعصبت لهم قبائل ، وصارت حربا ثالثة فانتظر بهم أن يستوثق الأمر ، وتنعقد البيعة العامة ، ويقع الطلب من الأولياء في مجلس الحكم ، فيجري القضاء بالحق .

ولا خلاف بين الأمة أنه يجوز للإمام تأخير القصاص إذا أدى ذلك إلى إثارة الفتنة أو تشتيت الكلمة ، وكذلك جرى لطلحة والزبير ; فإنهما ما خلعا عليا عن ولاية ، ولا اعترضا عليه في ديانة ، وإنما رأيا أن البداءة بقتل أصحاب عثمان أولى ، فبقي هو على رأيه لم يزعزعه عما رأى وهو كان الصواب كلامهما ، ولا أن يؤثر فيه قولهما . وكذلك كان كل واحد منها يثني على صاحبه [ ويذكر ما فيه ] ويشهد له بالجنة ، ويذكر مناقبه ; ولو كان الأمر على خلاف هذا لتبرأ كل واحد [ منهما ] من صاحبه ، فلم يكن تقاتل [ ص: 127 ] القوم على دنيا ، ولا بغيا بينهم في العقائد ، وإنما كان اختلافا في اجتهاد ; فلذلك كان جميعهم في الجنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية