الآية الحادية عشرة
قوله تعالى : { وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة }
[ ص: 32 ]
روي أنه لما أكل
آدم من الشجرة سلخ عن كسوته ، وخلع من ولايته ، وحط عن مرتبته ، فلما نظر إلى سوأته منكشفة قطع الورق من الثمار وسترها ، وهذا هو نص القرآن .
وفي ذلك مسألتان : [ المسألة الأولى بأي شيء سترها ؟ ] :
فقالت طائفة : سترها بعقله حين رأى ذلك من نفسه منكشفا ، منهم :
القدرية ، وبه قال أقضى القضاة
الماوردي .
ومنهم من قال : إنه سترها استمرارا على عادته ، ومنهم من قال : إنما سترها بأمر الله .
فأما من قال : إنه سترها بعقله فإنه بناها على أن العقل يوجب ويحظر ويحسن
[ ص: 33 ] ويقبح ، وهو جهل عظيم بيناه في أصول الفقه ، وقد وهي أقضى القضاة في ذلك ، إلا أنه يحتمل أنه سترها من ذات نفسه من غير أن يوجب ذلك عليه شيء ، فيرجع ذلك إلى القول الثاني أنه سترها عادة .
وأما من قال : إنه سترها بأمر الله ، فذلك صحيح لا شك فيه ; لأن الله تعالى لما خلق
آدم عليه السلام علمه الأسماء وعرفه الأحكام فيها ، وأسجل له بالنبوة ، ومن جملة الأحكام
ستر العورة .
المسألة الثانية : ممن سترها ؟ ولم يكن معه إلا أهله الذين ينكشف عليهم وينكشفون عليه .
؟ وقد قدمنا في مسائل الفقه وشرح الحديث وجوب ستر العورة وأحكامها [ ومحلها ] ، ويحتمل أن يكون
آدم سترها من زوجه بأمر جازم في شرعه ، أو بأمر ندب ، كما هو عندنا .
ويحتمل أن يكون ما رأى سترها إلا لعدم الحاجة إلى كشفها ; لأنه كان من شرعه أنه لا يكشفها إلا للحاجة .
ويجوز أنه كان مأمورا بسترها في الخلوة ، {
nindex.php?page=hadith&LINKID=41699وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بسترها في الخلوة ، وقال : الله أحق أن يستحى منه } . وذلك مبين في موضعه .
وبالجملة فإن
آدم لم يأت من ذلك شيئا إلا بأمر من الله لا بمجرد عقل ، إذ قد بينا فساد اقتضاء العقل لحكم شرعي .