المسألة الثالثة : في
تفسير المحيض وهو مفعل ، من حاض يحيض إذا سال حيضا ، تقول
العرب : حاضت الشجرة والسمرة : إذا سالت رطوبتها ، وحاض السيل : إذا سال قال الشاعر :
أجالت حصاهن الذواري وحيضت عليهن حيضات السيول الطواحم
وهو عبارة عن الدم الذي يرخيه الرحم فيفيض ، ولها ثمانية أسماء : الأول : حائض . الثاني : عارك . الثالث : فارك . الرابع : طامس . الخامس : دارس . السادس : كابر . السابع : ضاحك . الثامن : طامث .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد في قوله تعالى : {
فضحكت } يعني حاضت . وقال الشاعر :
ويهجرها يوما إذا هي ضاحك
وقال أهل التفسير : {
فلما رأينه أكبرنه } يعني حضن ، وأنشدوا في ذلك :
[ ص: 222 ] يأتي النساء على أطهارهن ولا يأتي النساء إذا أكبرن إكبارا
. المسألة الرابعة :
المحيض ، مفعل ، من حاض ، فعن أي شيء كون . عبارة عن الزمان أم عن المكان أم عن المصدر حقيقة أم مجاز ؟ وقد قيل : إنه عبارة عن زمان الحيض وعن مكانه ، وعن الحيض نفسه . وتحقيقه عند مشيخة الصنعة قالوا : إن الاسم المبني من فعل يفعل للموضع مفعل بكسر العين كالمبيت والمقيل ، والاسم المبني منه على مفعل بفتح العين يعبر به عن المصدر كالمضرب ، تقول : إن في ألف درهم لمضربا ، أي ضربا ومنه قوله تعالى : {
وجعلنا النهار معاشا } أي عيشا .
وقد يأتي المفعل بكسر العين للزمان ، كقولنا : مضرب الناقة أي زمان ضرابها .
وقد يبنى المصدر أيضا عليه ، إلا أن الأصل ما تقدم . وذلك لقوله تعالى : {
إلى الله مرجعكم } أي رجوعكم ، ولقوله تعالى : {
ويسألونك عن المحيض } أي عن الحيض .
وإذا علمت هذا من قولهم ، فالصحيح عندي أن كل فعل لا بد لكل متعلق من متعلقاته من بناء يختص به قصدا للتمييز بين المعاني بالألفاظ المختصة بها ، وهي سبعة : الفاعل ، والمفعول ، والزمان ، والمكان ، وأحوال الفعل الثلاثة من ماض ، ومستقبل ، وحال ، ويتداخلان ، ثم يتفرع إلى عشرة وإلى أكثر منها بحسب تزايد المتعلقات .
وكل واحد من هذه الأبنية يتميز بخصصيته اللفظية عن غيره تميزه بمعناه ، وقد يتميز ببنائه في حركاته وتردداته المتصلة وتردداته المنفصلة ، كقولك : معه ، وله ، وبه ، وغير ذلك .
فإذا وضع العربي أحدهما موضع الآخر جاز ، وهذا على جهة الاستعارة ، وهذا بين للمنصف استقصيناه من كتاب ملجئة المتفقهين إلى معرفة غوامض النحويين " ; فإذا ثبت هذا وقلت معنى قوله تعالى : {
ويسألونك عن [ ص: 223 ] المحيض } زمان الحيض صح ، ويكون حينئذ مجازا على تقدير محذوف دل عليه السبب الذي كان السؤال بسببه ، تقديره : ويسألونك عن الوطء في زمان الحيض .
وإن قلت : إن معناه موضع الحيض كان مجازا في مجاز على تقدير محذوفين تقديره : {
ويسألونك عن المحيض } أي : عن الوطء في موضع الحيض حالة الحيض ; لأن أصل اسم الموضع يبقى عليه وإن زال الذي لأجله سمي به ; فلا بد من تقدير تحقيق في هذا الاحتمال ، لظهور المجاز فيه .
وإن قلت معناه : ويسألونك عن الحيض ، كان مجازا على تقدير محذوف واحد ، تقديره : ويسألونك عن منع الحيض ; وهذا كله متصور متقرر على رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد وثابت بن الدحداحة ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس متقدر عليها كلها تقديرا صحيحا ; فيتبين عند التنزيل فلا يحتاج إلى بسطه بتطويل .