المسألة الثانية عشرة : قوله تعالى : {
ذلك أدنى ألا تعولوا } اختلف الناس في تأويله على ثلاثة أقوال :
الأول : ألا يكثر عيالكم ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
الثاني : ألا تضلوا ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد .
الثالث : ألا تميلوا ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس والناس . وقد تكلمنا عليه في رسالة " ملجئة المتفقهين " بشيء لم نر أن نختصره هاهنا : قلنا : أعجب أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بكلامه هذا ، وقالوا : هو حجة لمنزلة
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في اللغة ، وشهرته في العربية ، والاعتراف له بالفصاحة حتى لقد قال
الجويني : هو أفصح من نطق بالضاد ، مع غوصه على المعاني ، ومعرفته بالأصول ; واعتقدوا أن معنى الآية : فانكحوا واحدة إن خفتم أن يكثر عيالكم ، فذلك أقرب إلى أن تنتفي عنكم كثرة العيال . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : وهذا يدل على أن
نفقة المرأة على الزوج . وقال أصحابه : لو كان المراد بالعول هاهنا الميل لم تكن فيه فائدة ; لأن الميل لا يختلف بكثرة عدد النساء وقلتهن ، وإنما يختلف بالقيام بحقوق النساء فإنهن إذا كثرن تكاثرت الحقوق . قال
ابن العربي : كل ما قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أو قيل عنه أو وصف به فهو كله جزء من
[ ص: 411 ] nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، ونغبة من بحره ;
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك أوعى سمعا ، وأثقب فهما ، وأفصح لسانا ، وأبرع بيانا ، وأبدع وصفا ، ويدلك على ذلك مقابلة قول بقول في كل مسألة وفصل .
والذي يكشف لك ذلك في هذه المسألة البحث عن معاني قولك " عال " لغة حتى إذا عرفته ركبت عليه معنى الآية ، وحكمت بما يصح به لفظا ومعنى .
وقد قال علماؤنا فيه سبعة معان : الأول : الميل ; قال
يعقوب : عال الرجل إذا مال ، قال الله تعالى : {
ذلك أدنى ألا تعولوا } وفي العين : العول : الميل في الحكم إلى الجور ، وعال السهم عن الهدف : مال عنه ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : إنه لعائل الكيل والوزن ، وينشد
لأبي طالب :
بميزان قسط لا يغل شعيرة له شاهد من نفسه غير عائل
الثاني : عال : زاد . الثالث عال : جار في الحكم . قالت
الخنساء :
وليس بأولى ولكنه ويكفي العشيرة ما عالها
الرابع : عال : افتقر . قال الله تعالى : {
وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله } الخامس : عال : أثقل ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13147ابن دريد ، وربما كان ذلك معنى بيت
الخنساء ، وكان به أقعد . السادس : قام بمؤونة العائل ، ومنه قوله عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12965ابدأ بمن تعول } " .
[ ص: 412 ] السابع : عال : غلب ، ومنه عيل صبره ، أي غلب . هذه معانيه السبعة ليس لها ثامن ، ويقال : أعال الرجل كثر عياله ، وبناء " عال " يتعدى ويلزم ، ويدخل بعضه على بعض ، وقد بينا تفصيل ذلك في " ملجئة المتفقهين " ، كما قدمنا في مسألة مثنى وثلاث ورباع مفصلا بجميع وجوهه .
فإذا ثبت هذا فقد شهد لك اللفظ والمعنى بما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ; أما اللفظ فلأن قوله تعالى : {
تعولوا } فعل ثلاثي يستعمل في الميل الذي ترجع إليه معاني " عول " كلها ، والفعل في كثرة العيال رباعي لا مدخل له في الآية ، فقد ذهبت الفصاحة ولم تنفع الضاد المنطوق بها على الاختصاص .
وأما المعنى فلأن الله تعالى قال : ذلك أدنى ، أقرب إلى أن ينتفي العول يعني الميل ، فإنه إذا كانت واحدة عدم الميل ، وإذا كانت ثلاثا فالميل أقل ، وهكذا في اثنتين ; فأرشد الله الخلق إذا خافوا عدم القسط والعدل بالوقوع في الميل مع اليتامى أن يأخذوا من الأجانب أربعا إلى واحدة ; فذلك أقرب إلى أن يقل الميل في اليتامى وفي الأعداد المأذون فيها ، أو ينتفي ; وذلك هو المراد ، فأما كثرة العيال فلا يصح أن يقال : ذلك أقرب إلى ألا يكثر عيالكم .