الآية الرابعة قوله تعالى : {
وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا }
[ ص: 413 ] فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى :
من المخاطب بالإيتاء ؟ : وقد اختلف الناس في ذلك على قولين : أحدهما : أن المراد بذلك الأزواج .
الثاني : أن المراد به الأولياء ; قاله
أبو صالح . واتفق الناس على الأول ; وهو الصحيح ; لأن الضمائر واحدة ; إذ هي معطوفة بعضها على بعض في نسق واحد ، وهي فيما تقدم بجملته الأزواج ; فهم المراد هاهنا ; لأنه تعالى قال : {
وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا وآتوا النساء صدقاتهن } فوجب تناسق الضمائر ، وأن يكون الأول هو الآخر فيها أو منها .
المسألة الثانية : قوله تعالى : {
نحلة } وهي في اللغة عبارة عن العطية الخالية عن العوض ، واختلف في المراد بها هاهنا على ثلاثة أقوال :
الأول : معناه : طيبوا نفسا بالصداق ، كما تطيبون بسائر النحل والهبات .
الثاني : معناه " نحلة " من الله تعالى للنساء ; فإن الأولياء كانوا يأخذونها في الجاهلية ، فانتزعها الله سبحانه منهم ونحلها النساء .
الثالث : أن معناه " عطية " من الله ; فإن الناس كانوا يتناكحون في الجاهلية بالشغار ويخلون النكاح من الصداق ; ففرضه الله تعالى للنساء ونحله إياهن .
[ ص: 414 ]
المسألة الثالثة : قال أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي :
النكاح عقد معاوضة انعقد بين الزوجين ، فكل واحد منهما بدل عن صاحبه ، ومنفعة كل واحد منهما لصاحبه عوض عن منفعة الآخر ، والصداق زيادة فرضه الله تعالى على الزواج لما جعل له في النكاح من الدرجة ، ولأجل خروجه عن رسم العوضية جاز إخلاء النكاح عنه ، والسكوت عن ذكره ، ثم يفرض بعد ذلك بالقول ، أو يجب بالوطء .
وكذلك أيضا قالوا :
لو فسد الصداق لما تعدى فساده إلى النكاح ، ولا يفسخ النكاح بفسخه لما كان معنى زائدا على عقده وصلة في حقه ، فإن طابت المرأة نفسا بعد وجوبه بهبته للزوج وحطه فهو حلال له ، وإن أبت فهي على حقها فيه ، كانت بكرا أو ثيبا حسبما اقتضاه عموم القرآن في ذلك .
وقال علماؤنا : إن الله سبحانه جعل الصداق عوضا ، وأجراه مجرى سائر أعواض المعاملات المتقابلات ، بدليل قوله تعالى : {
فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } فسماه أجرا ، فوجب أن يخرج به عن حكم النحل إلى حكم المعاوضات . وأما تعلقهم بأن كل واحد من الزوجين يتمتع بصاحبه ويقابله في عقد النكاح ، وأن الصداق زيادة فيه فليس كذلك ; بل وجب الصداق على الزوج ليملك به السلطنة على المرأة ، وينزل معها منزلة المالك مع المملوك فيما بذل من العوض فيه ، فتكون منفعتها بذلك له فلا تصوم إلا بإذنه ، ولا تحج إلا بإذنه ، ولا تفارق منزلها إلا بإذنه ، ويتعلق حكمه بمالها كله حتى لا يكون لها منه إلا ثلثه ، فما ظنك ببدنها . وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أنه قال : يفسد النكاح لفساده ، فيفسخ قبل وبعد . والمشهور أنه يفسخ قبل الدخول ، ويثبت بعده ، لما فات من الانتفاع ومضى من الاستمتاع . وروي أنه لا يفسخ لا قبله ولا بعده ، على ما تقرر في المسائل الخلافية . وأما طيب نفس المرأة به إن كانت مالكة فصحيح داخل تحت العموم .
[ ص: 415 ] وأما البكر فلم تدخل تحت العموم ; لأنها لا تملك ما لها ، كما لم تدخل فيه الصغيرة عندهم والمجنونة والأمة . وإن كن من الأزواج ، ولكن راعى قيام الرشد ، ودليل التملك للمال دون ظاهر العموم في الزوجات ، كذلك فعلنا نحن في البكر ; وقد بينا أدلة قصورها عن النظر لنفسها في المسائل الخلافية ، وهذه مسألة عظيمة الموقع ، وفي الذي أشرنا إليه من النكت كفاية للبيب المنصف .