الآية الحادية عشرة قوله تعالى : {
وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم }
فيها عشر مسائل : المسألة الأولى : في
قراءتها : قرئ بفتح الراء وكسرها ، وقرئ بتشديدها مكسورة ، فإن كان بالفتح فذلك عائد للميت ، ويكون قوله : {
كلالة } حالا من الضمير في يورث .
[ ص: 448 ]
وإذا قرئت بالكسر فمعناه عائد إلى الورثة ، ويكون قوله " كلالة " مفعولا يتعدى الفعل إليه . وكذلك بالتشديد ; وإنما فائدته تضعيف الفعل إليه .
المسألة الثانية : في لغتها : اختلف أهل اللغة وغيرهم في ذلك على ستة أقوال : قال صاحب العين :
الكلالة : الذي لا ولد له ولا والد .
الثاني : قال
أبو عمرو : ما لم يكن لحا من القرابة فهو كلالة ، يقال : هو ابن عمي لحا ، وهو ابن عمي كلالة .
الثالث : وهو في معنى الثاني : أن الكلالة من بعد ، يقال : كلت الرحم إذا بعد من خرج منها .
الرابع : أن الكلالة من لا ولد له ولا والد ولا أخ .
الخامس : أن الكلالة هو الميت بعينه ، كما يقال رجل عقيم ورجل أمي .
السادس : أن الكلالة هم الورثة ، والوراث الذين يحيطون بالميراث .
المسألة الثالثة : في التوجيه : أما القول الأول والثاني والثالث فيعضده الاشتقاق الذي بيناه في القول الثالث ، ويقرب منه توجيه الرابع ; لأن الأخ قريب جدا حين جمعه مع أخيه صلب واحد وارتكضا في رحم واحدة ، والتقما من ثدي واحدة ، وقد قال الشاعر :
فإن أبا المرء أحمى له ومولى الكلالة لا يغضب
وأما من قال : إنه الميت نفسه فقد نزع بقول الشاعر :
ورثتم قناة المجد لا عن كلالة عن ابني مناف عبد شمس وهاشم
ومن قال : إنهم المحيطون بالميراث نزع بأن
العرب تقول : كلله النسب : أحاط به ، ومنه سمي التاج إكليلا ; لأنه يحيط بجوانب الرأس .
وقال
أبو عبيدة : هو الذي لا والد له ولا ولد ، مأخوذ من تكلله النسب ، أي أحاط به ; كأنه سماه بضده كالمفازة والسليم على أحد الأقوال .
[ ص: 449 ]
المسألة الرابعة : في المختار : دعنا من ترتان ، وما لنا ولاختلاف اللغة وتتبع الاشتقاق ؟ ولسان
العرب واسع ، ومعنى القرآن ظاهر ، وظاهر القرآن أن الكلالة من فقد أباه وابنه والزوجات وترك الإخوة [ والدليل عليه أن الله تعالى ترك سهام الفرائض مع الآباء والأبناء والزوجات وترك الإخوة ] ; فجعل هذه آيتهم وجعلهم كلالة اسما موضوعا لغة بأحد معاني الكلالة مستعملا شرعا ، وكذلك ذكره في آخر السورة في آية الصيف سماه كلالة ، وذكر فريضة لا أب فيها ولا ابن ، فتحققنا بذلك مراد الله عز وجل في الكلالة . تبقى هاهنا نكتة تفطن لها
أبو عمرو ، وهي إلحاق فقد الأخ للعين أو لعلة بالكلالة ; لأنها نازلة الآية في سورة النساء الأولى ، وهي هذه ; وفي الآية الأخرى آية الصيف : الكلالة فقد الأب والابن ; فدل على أن الاشتقاق يقتضي ذلك كله ; ومطلق اللغة يقتضيه ; لأن القرآن جاء بها فاستعمله الشرع في كل موضع قصدا لبيان الأحكام بحسب الأدلة والمصالح ، فهذا جريان الأمر على الاشتقاق وتصريف اللغة ، فأما اعتبار المعنى على رسم الفتوى ، وهي