المسألة الخامسة : قوله تعالى : {
من نسائكم } اختلف الناس في ذلك ; فقال الأكثر من الصحابة : إن المراد بذلك الأزواج .
وقال آخرون : المراد الجنس من النساء ، وتعلق من قال : إنهن الأزواج بقوله تعالى : {
للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر } وقوله : {
الذين يظاهرون منكم من نسائهم } وأراد الأزواج في الآيتين ، فكذلك في هذه الآية الثالثة ، وإذا كان إضافة زوجية فلا فائدة فيها إلا اعتبار الثيوبة ; قالوا : ولأن الله سبحانه ذكر عقوبتين : إحداهما أكبر من الأخرى ، وكانت الأكبر للثيب ، والأصغر للبكر . والصحيح عندي أنه أراد جميع النساء ; لأنه مطلق اللفظ الذي يقتضي ذلك وعمومه ، فأما الذي تعلقوا به من آية الإيلاء والظهار فإنما أوقفناه على الأزواج ; لأن الظهار والإيلاء من أحكام النكاح ; ألا ترى أن الإيلاء لما كان مجردا عن النكاح بأن يحلف ألا يطأ امرأة أجنبية فوطئها يحنث إذا وطئها إذا تزوجها ، وإنما وقف على الأجل في الزوجة رفعا للضرر .
[ ص: 459 ]
وأما قولهم : إنه ذكر عقوبتين فاقتضى أن يكون الأغلظ للأعظم والأقل للأصغر ، بناء منهم على أن الآيتين في النساء جميعا : إحداهما في الثيب ، والأخرى في البكر ، وهذا لا يصح ، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى . وقد قال المحققون من علمائنا : إن
الحكمة في قوله تعالى : { من نسائكم } بيان حال المؤمنات ، كما قال تعالى : {
واستشهدوا شهيدين من رجالكم } يعني من المؤمنين . وقال تعالى : {
ذوي عدل منكم } ويفيد ذلك أن
الحاكم لا يحد الكافرة إذا زنت ، وذلك يأتي بيانه إن شاء الله تعالى .