صفحة جزء
[ ص: 481 ] المسألة الثالثة : روى مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا تحرم المصة ولا المصتان ولا الإملاجة ولا الإملاجتان وهي المصة } . وروى مالك وغيره عن عائشة قالت : كان فيما أنزل الله من القرآن عشر رضعات معلومات فنسخت بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن . فقال بها جماعة منهم الشافعي . ورأى مالك وأبو حنيفة الأخذ بمطلق القرآن ، وهو الصحيح ; لأنه عمل بعموم القرآن وتعلق به ، وقد قوي ذلك بأنه من باب التحريم في الأبضاع والحوطة على الفروج ; فقد وجب القول به لمن يرى العموم ومن لا يراه . وقد رام بعض حذاق الشافعية وهو الإمام الجويني أن يبطل التعلق بهذا العموم ; قال : لأنه سيق ليتبين به وجه التحريم في المحرمات ، ولم يقصد به التعميم ، وإنما يصح القول بالعموم إذا سيق قصدا للعموم ; وذلك يعلم من لسان العرب . قال القاضي : يا لله وللمحققين من رأس التحقيق الجويني ، يأتي بهذا الكلام في غير موضعه ، وقد علم كل ناظر في الفقه شاد أو منته أن المحرمات كلها في الآية جاءت مجيئا واحدا في البيان في مقصود واحد ، فلو جاز لقائل أن يقول : إنه لا يحمل على العموم قوله : { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم } لما حمل أيضا على العموم قوله : { أمهاتكم } فيرتقى بهن إلى الجدات ، ولا بناتكم فيحط بهن إلى بنات البنات ، وقد رأى أنهن لم يعمهن في الميراث وعمهن هاهنا في التحريم ، وكذلك قوله تعالى : [ ص: 482 ] { وأمهات نسائكم } كان ينبغي ألا يحمل على العموم أيضا ; لأنه لم يقصد به كما قال سياق العموم ، وكان ذلك لو قلنا به سببا لخرم قاعدة الآية . وقد بينت ذلك في التلخيص والتمحيص . وأما الأحاديث المتقدمة فلا متعلق فيها . أما حديث عائشة فهو أضعف الأدلة ; لأنها قالت : كان مما نزل من القرآن ولم يثبت أصله فكيف يثبت فرعه ؟ . وأما حديث الإملاجة فمعناه كان من المص والجذب مما لم يدر معه لبن ويصل إلى الجوف . ويتحقق وصول اللبن إلى الجوف ، فقليله وكثيره سواء ، بنص القرآن وبنص الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم : { أرضعتني وأبا سلمة ثويبة } ، فإذا مص لبنها وحصل في جوفه فهي مرضعة ، وهي أمه ، وهي داخلة بالآية بلا مرية . والله أعلم .

المسألة الرابعة : كان قوله تعالى : { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم } يقتضي بمطلقه تحريم الرضاع في أي وقت وجد من صغر أو كبر ، إلا أن الله سبحانه وتعالى بين وقته بقوله : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } ، فبين زمانه الكامل ; فوجب ألا يعتبر ما زاد عليه . وقد رأت عائشة أن رضاع الكبير محرم ; للحديث الصحيح عنها ، قالت : { جاءت سهلة بنت سهيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ; إنا كنا نرى سالما ولدا ، وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد ، ويراني فضلا ، وقد أنزل الله سبحانه وتعالى فيهم ما علمت ، فكيف ترى يا رسول الله فيه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أرضعيه خمس رضعات يحرم بلبنها } . [ ص: 483 ] فكانت تراه ابنا من الرضاعة ، فبذلك كانت عائشة تأخذ ، وأباه سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وقلن : والله ما نرى ذلك إلا رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لسهلة ; لأنهم لم يروه حكما عاما ولا قضية مطلقة لكل أحد ، لا سيما وقد رده عمر ، وأمر بأدب من أرضع من النساء كبيرا . وقد روى الترمذي والنسائي عن أبي سلمة ; قالت عائشة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء من الثدي ، وكان قبل الفطام } . نظام نشر : اعلموا وفقكم الله أن كل شخصين التقما ثديا واحدا في زمان واحد أو في زمانين فهما أخوان ، والأصول منهما والفروع بمنزلة أصول الأنساب وفروعها في التحريم .

التالي السابق


الخدمات العلمية