المسألة السابعة : قوله تعالى : {
محصنات غير مسافحات } : يعني عفائف غير زانيات . وقد استدل بها من حرم
نكاح الزانية ، وهو
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ، وقال إنه شرط في النكاح الإحصان وهو العفة ، وأيضا فإن الله تعالى قال في سورة النور : {
الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } . وقالت طائفة : معنى قوله : محصنات ، أي بنكاح لا بزنى ، وهذا ضعيف جدا ; لأن الله تعالى قد قال قبل هذا : {
فانكحوهن بإذن أهلهن } ، فكيف يقول بعد ذلك منكوحات ، فيكون تكرارا في الكلام قبيحا في النظام ، وإنما شرط الله ذلك صيانة للماء الحلال عن الماء الحرام ; فإن الزانية لا يجوز عندنا نكاحها حتى تستبرأ .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : يجوز نكاحها اليوم لمن زنى بها البارحة ، ولمن لم يزن بها مع شغل رحمها بالماء ، فهذه هي الزانية التي حرم الله نكاحها ; فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم
[ ص: 514 ] أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37187من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسق ماءه زرع غيره } . وثبت عنه أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30682لا توطأ حامل حتى تضع } ، ولا حائل حتى تحيض في وطء ونسب لهما حرمة .
وذلك في وطء الكفار ; لكن إن لم يكن للماء المستقر في الرحم حرمة فللماء الوارد عليه حرمة ، فكيف يمتزج ماء بماء غير محترم ، وفي ذلك خلط الأنساب الصحيحة بالمياه الفاسدة . وأما قوله : {
الزاني لا ينكح إلا زانية } ، فهي آية مشكلة ، اختلف فيها
السلف قديما وحديثا ، والمتحصل فيها أربعة أقوال : الأول : أنه روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر {
nindex.php?page=hadith&LINKID=228757أن رجلا من المسلمين استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاح امرأة كانت تسافح وتشترط له أن تنفق عليه ، وكذلك كن نساء معلومات يفعلن ذلك فيتزوجن الرجل من فقراء المسلمين لتنفق المرأة منهن عليه ، فنهاهم الله عن ذلك } .
الثاني : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ونحوه عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد عن بغايا كن ينصبن على أبوابهن كراية البيطار ، وكانت بيوتهن تسمى المواخير ، لا يدخل إليهن إلا زان من أهل القبلة أو مشرك ، فحرم الله ذلك على المؤمنين .
الثالث : قال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير :
لا يزني الزاني إلا بزانية مثله أو مشركة ، ونحوه عن
عكرمة .
الرابع : قال
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : نسخها قوله : {
وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم } . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس : من أيامى المسلمين .
وقد أكد رواية
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ما رواه
الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=27576كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد ، وكان رجل يحمل الأسرى من مكة [ ص: 515 ] حتى يأتي بهم المدينة . قال : وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها عناق ، وكان صديقا لها ، وإنه واعد رجلا من أسرى مكة يحمله . قال : فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة قال : فجاءت عناق فأبصرت سواد ظلي بجنب الحائط ، فلما انتهت إلي عرفتني ، فقالت : مرثد ، فقلت : مرثد . فقالت : مرحبا وأهلا ، هلم فبت عندنا الليلة . قال : قلت : يا عناق ، حرم الله الزنا قالت : يا أهل الخيام ، هذا الرجل يحمل أسراكم وذكر الحديث . قال : حتى قدمت المدينة فقلت : يا رسول الله ، أأنكح عناق ؟ فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد علي شيئا ، فنزلت : { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا مرثد ، الزاني لا ينكح وقرأها إلى آخرها ، وقال له : فلا تنكحها } . فأما من قال : إنها نزلت في بغايا معلومات فكلام صحيح . وأما من قال : إن معناه الزاني لا يزاني إلا زانية فما أصاب فيه غيره ، وهي من علوم القرآن المأثورة عن معلمه المعظم
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
وأما من قال :
لا ينكح المحدود إلا محدودة ، وهو
nindex.php?page=showalam&ids=35الحسن ، يريد أن معنى الآية : الزانية التي تبين زناها ، ويصح أن يخبر عنها به ; وذلك لا يكون إلا فيمن نفذ عليه الحد ; وقبل نفوذ الحد هي محصنة يحد قاذفها ، وهو الذي منع من نكاحها ومعه نتكلم وعليه نحتج .
وإذا قال القائل : إن معناه إذا زنى بامرأة فلا يتزوجها فيشبه أن يكون قولا ، لكن مخرجه ما قدمناه من أن تحريم ذلك إنما يكون قبل الاستبراء ، وتكون الآية مسوقة لبيان أنه لا يسترسل على المياه الفاسدة بالنكاح إلا زان أو مشرك كما سبق ، أو يكون معناه ما اختاره عالم القرآن ; قال : المراد بالنكاح الوطء ، والآية نزلت في البغايا المشركات ; والدليل عليه أن
الزانية من المسلمات حرام على المشرك ، وأن
الزاني من المسلمين حرام عليه المشركات ، فمعنى الآية أن الزاني لا يزني إلا بزانية
[ ص: 516 ] لا تستحل الزنا أو بمشركة تستحله ، والزانية لا يزني بها إلا زان لا يستحل الزنا أو مشرك يستحله . وأما من قال : إن الآية منسوخة فما فهم النسخ ; إذ بينا أنه لا يكون إلا بين الآيتين المتعارضتين من كل وجه ; بل الآية التي احتج بها عاضدة لهذه الآية وموافقة لها ; لأن الله تعالى حرم نكاح الزناة والزواني ، وأمر بنكاح الصالحات والصالحين .
المسألة الثامنة : هذه الآية وإن كانت بصيغة الخبر فكذلك هو معناها ، وهي خبر عن حكم الشرع ، فإن وجد خلاف المخبر فليس من الشرع على ما تقدم بيانه في سورة البقرة .