[ ص: 533 ] المسألة الحادية عشرة : قوله تعالى : {
واهجروهن في المضاجع } : فيه أربعة أقوال :
الأول : يوليها ظهره في فراشه ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
الثاني : لا يكلمها ، وإن وطئها ; قاله
عكرمة nindex.php?page=showalam&ids=11870وأبو الضحى .
الثالث : لا يجمعها وإياه فراش ولا وطء حتى ترجع إلى الذي يريد ; قاله
إبراهيم والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة والحسن البصري ، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب وابن القاسم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وغيرهم .
الرابع : يكلمها ويجامعها ، ولكن بقول فيه غلظ وشدة إذا قال لها تعالي ; قاله
سفيان . قال
الطبري : ما ذكره من تقدم معترض ، وذكر ذلك ، واختار أن معناه يربطن بالهجار وهو الحبل في البيوت ، وهي المراد بالمضاجع ، إذ ليس لكلمة {
اهجروهن } إلا أحد ثلاثة معان . فلا يصح أن يكون من الهجر الذي هو الهذيان ، فإن المرأة لا تداوى بذلك ، ولا من الهجر الذي هو مستفحش من القول ، لأن الله لا يأمر به ; فليس له وجه إلا أن تربطوهن بالهجار . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : يا لها هفوة من عالم بالقرآن والسنة ، وإني لأعجبكم من ذلك ; إن الذي أجرأه على هذا التأويل ، ولم يرد أن يصرح بأنه أخذه منه ، هو حديث غريب رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أن
nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء بنت أبي بكر الصديق امرأة
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير بن العوام كانت تخرج حتى عوتب في ذلك . قال : وعتب عليها وعلى ضرتها ، فعقد شعر واحدة بالأخرى ، وضربهما ضربا شديدا ، وكانت الضرة أحسن اتقاء ، وكانت
nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء لا تتقي ; فكان الضرب بها أكثر وآثر ; فشكته إلى أبيها
أبي بكر ; فقال لها : أي بنية اصبري ; فإن
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير رجل صالح ، ولعله أن يكون زوجك في الجنة ، ولقد بلغني أن الرجل إذا
[ ص: 534 ] ابتكر بالمرأة تزوجها في الجنة .
فرأى الربط والعقد مع احتمال اللفظ مع فعل
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير ، فأقدم على هذا التفسير لذلك . وعجبا له مع تبحره في العلوم وفي لغة
العرب كيف بعد عليه صواب القول ، وحاد عن سداد النظر ; فلم يكن بد والحالة هذه من أخذ المسألتين من طريق الاجتهاد المفضية بسالكها إلى السداد ; فنظرنا في موارد " هـ ج ر " في لسان
العرب على هذا النظام فوجدناها سبعة : ضد الوصل . ما لا ينبغي من القول . مجانبة الشيء ، ومنه الهجرة . هذيان المريض . انتصاف النهار . الشاب الحسن . الحبل الذي يشد في حقو البعير ثم يشد في أحد رسغيه . ونظرنا في هذه الموارد فألفيناها تدور على حرف واحد وهو البعد عن الشيء فالهجر قد بعد عن الوصل الذي ينبغي من الألفة وجميل الصحبة ، وما لا ينبغي من القول قد بعد عن الصواب ، ومجانبة الشيء بعد منه وأخذ في جانب آخر عنه ، وهذيان المريض قد بعد عن نظام الكلام ، وانتصاف النهار قد بعد عن طرفيه المحمودين في اعتدال الهواء وإمكان التصرف . والشاب الحسن قد بعد عن العاب ، والحبل الذي يشد به البعير قد أبعده عن استرساله في تصرفه واسترسال ما ربط عن تقلقله وتحركه .
وإذا ثبت هذا ، وكان مرجع الجميع إلى البعد فمعنى الآية : أبعدوهن في المضاجع . ولا يحتاج إلى هذا التكلف الذي ذكره العالم ، وهو لا ينبغي لمثل
السدي nindex.php?page=showalam&ids=15097والكلبي فكيف أن يختاره
الطبري ، فالذي قال : يوليها ظهره جعل المضجع ظرفا للهجر ، وأخذ القول على أظهر الظاهر ، وهو حبر الأمة ، وهو حمل الأمر على الأقل ، وهي مسألة عظيمة من الأصول . والذي قال يهجرها في الكلام حمل الأمر على الأكثر الموفي ، فقال : لا يكلمها ولا يضاجعها ، ويكون هذا القول كما يقول : اهجره في الله ، وهذا هو أصل
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أنه قال في تفسير الآية : بلغنا أن
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز كان له نساء فكان يغاضب بعضهن ، فإذا كانت ليلتها يفرش في حجرتها وتبيت هي في بيتها
[ ص: 535 ] فقلت
nindex.php?page=showalam&ids=16867لمالك : وذلك له واسع ؟ قال : نعم ، وذلك في كتاب الله تعالى : {
واهجروهن في المضاجع } والذي قال : لا يكلمها وإن وطئها فصرفه نظره إلى أن جعل الأقل في الكلام ، وإذا وقع الجماع فترك الكلام سخافة ، هذا وهو الراوي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ما تقدم من قوله . والذي قال : يكلمها بكلام فيه غلظ إذا دعاها إلى المضجع جعله من باب ما لا ينبغي من القول . وهذا ضعيف من القول في الرأي ; فإن الله سبحانه رفع التثريب عن الأمة إذا زنت وهو العقاب بالقول ، فكيف يأمر مع ذلك بالغلظة على الحرة .