الآية السادسة والأربعون :
قوله تعالى : {
يأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا } . فيها ثلاث مسائل : المسألة الأولى : في
سبب نزولها : وفيه خمسة أقوال :
الأول : قال
ابن القاسم : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا يقول : {
إن رجلا من المسلمين في مغازي النبي صلى الله عليه وسلم حمل على رجل من المشركين ; فلما علاه بالسيف قال المشرك : لا إله إلا الله . فقال الرجل : إنما يتعوذ بها من القتل ; فأتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : كيف لك بلا إله إلا الله ؟ قال : يا رسول الله ، إنما يتعوذ . فما زال يعيدها عليه : كيف لك بلا إله إلا الله ؟ } فقال الرجل : وددت أني أسلمت ذلك اليوم ، وأنه يبطل ما كان لي من عمل قبل ذلك ، وأني استأنفت العمل من ذلك اليوم . قال
القاضي : هذا الذي ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك مطلقا هو
nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد ، والحديث صحيح ، رواه الأئمة من كل طريق ، أصله
nindex.php?page=showalam&ids=12062أبو ظبيان عن
nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة ، رواه عنه
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ،
nindex.php?page=showalam&ids=15721وحصين بن عبد الرحمن [ ص: 607 ] والحديث مشهور وذكر
الطبري أن اسم الذي قتله
nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة مرداس بن نهيك .
الثاني : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16213بعث النبي صلى الله عليه وسلم محلم بن جثامة ، فلقيهم عامر بن الأضبط ، فحياهم بتحية الإسلام ، وكان بينهما إحنة في الجاهلية ، فرماه محلم بن جثامة بسهم فقتله ، وجاء محلم بن جثامة فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر الله ، فقال : لا غفر الله لك ، فقام وهو يتلقى دموعه ببردته ، فما مضت سابعة حتى دفنوه ولفظته الأرض ، فذكر ذلك له فقال : إن الأرض لتقبل من هو شر منه ، ولكن الله أراد أن يعظم من حرمتكم فرموه بين جبلين وألقوا عليه من الحجارة ، وأنزل الله سبحانه الآية } .
الثالث : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : لقي ناس رجلا في غنيمة له فقال : السلام عليكم ، فقتلوه ، وأخذوا تلك الغنيمة ، فنزلت الآية .
الرابع : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة : أغار رجل من المسلمين على رجل من المشركين ، فقال المشرك : إني مسلم ، لا إله إلا الله ، فقتله بعد أن قالها . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير أن الذي قتله هو
المقداد ، وذكر نحو ما تقدم وهو الخامس .
قال
القاضي : قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : {
أنه حمل ديته ، ورد على أهله غنيمته } ، ويشبه أن يكون هذا صحيحا على طريق الائتلاف وهي المسألة الثانية ; فإن هذا المقتول الذي نزلت فيه الآية لا يخلو أن يكون الذي قال : سلام عليكم ، أو يكون الذي قال : لا إله إلا الله ، أو يكون
عامر بن الأضبط الذي قال علم إسلامه : فأما كونه
عامر بن الأضبط فبعيد ; لأن قصة
عامر قد اختلفت اختلافا كثيرا لا نطول بذكره ، تبين أن قتل
محلم إنما كان لإحنة وحقد بعد العلم بحال ، وكيفما تصور الأمر ففي واحدة من هذه نزلت ، وغيرها يدخل فيها بمعناها .
[ ص: 608 ]
وجملة الأمر أن المسلم إذا لقي الكافر لا عهد له جاز له قتله ; فإن قال له الكافر : " لا إله إلا الله " لم يجز قتله ; فقد اعتصم بعصام الإسلام المانع من دمه وماله وأهله . فإن قتله بعد ذلك قتل به . وإنما سقط القتل عن هؤلاء لأجل أنهم كانوا في صدر الإسلام ، وتأولوا أنه قالها متعوذا ، وأن العاصم قولها مطمئنا ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنه عاصم كيفما قالها .
وأما إن قال له : سلام عليكم فلا ينبغي أن يقتل حتى يعلم ما وراء هذا ; لأنه موضع إشكال . وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في الكافر يوجد عند الدرب فيقول : جئت مستأمنا أطلب الأمان : هذه أمور مشكلة ، وأرى أن يرد إلى مأمنه ، ولا يحكم له بحكم الإسلام ; لأن الكفر قد ثبت له ، فلا بد أن يظهر منه ما يدل على أن الاعتقاد الفاسد الذي كان يدل عليه قوله الفاسد قد تبدل باعتقاد صحيح يدل عليه قوله الصحيح ، ولا يكفي فيه أن يقول : أنا مسلم ، ولا أنا مؤمن ، ولا أن يصلي حتى يتكلم بالكلمة العاصمة التي علق النبي صلى الله عليه وسلم الحكم بها عليه في قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=2081أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله } . فإن صلى أو فعل فعلا من خصائص الإسلام وهي :