المسألة السابعة : قوله تعالى : {
أو الوالدين } : أمر الله سبحانه بالشهادة بالحق على الوالدين : الأب والأم ، وذلك دليل على أن
شهادة الابن على الأبوين لا يمنع ذلك برهما ، بل من برهما أن يشهد عليهما بالحق ، ويخلصهما من الباطل ، وهو من قوله تعالى : {
قوا أنفسكم وأهليكم نارا } في بعض معانيه .
وقد اتفقت الأمة على قبول شهادة الابن على الأبوين ، فإن شهد لهما أو شهدا له وهي :
المسألة الثامنة : فقد اختلف العلماء فيها قديما وحديثا ; فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12300ابن شهاب : كان من مضى من
السلف الصالح يجيزون
شهادة الوالد والأخ لأخيه ، ويتأولون في ذلك قول الله سبحانه : {
يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين } ; فلم يكن أحد يتهم في ذلك من
السلف الصالح ، ثم ظهرت من الناس أمور حملت الولاة على اتهامهم ، فتركت شهادة من يتهم ، وصار ذلك لا يجوز في الولد والوالد والأخ والزوج والمرأة ، وهو مذهب
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=16097وشريح nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل أنه لا تجوز شهادة الوالد للولد ، وقد أجاز قوم شهادة بعضهم لبعض إذا كانوا عدولا .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أنه أجازه ، وكذلك روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز ، وبه قال
إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور nindex.php?page=showalam&ids=15215والمزني . ومذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك جواز شهادة الأخ لأخيه إذا كان عدلا إلا في النسب .
[ ص: 638 ] وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أنه لا تجوز إذا كان في عياله أو في نصيب من مال يرثه ، ولا تجوز عند
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك شهادة الزوج والمرأة أحدهما للآخر ; وأجازه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
ولا تجوز شهادة الصديق الملاطف عنده ، ولا إذا كان في عياله . والمختار عندي أن أصل الشريعة لا تجوز شهادة الوالد للولد ولا الولد للوالد لما بينها من البعضية ; قال النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12501إنما nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها } .
وشهادة الإنسان لنفسه لا تجوز ، إلا أن من تقدم قال : إنه كان يسامح فيه . وما روى قط أحد أنه نفذ قضاء بشهادة ولد لوالده ولا والد لولده ، وإنما معنى المسامحة فيه أنهم كانوا لا يصرحون بردها ، ولا يحذرون منها لصلاح الناس ، فلما فسدوا وقع التحذير ، ونبه العلماء على الأصل ، فظن من تغافل أو غفل أن الماضين جوزوها ، وما كان ذلك قط ; وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12140إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، وإن ولده من كسبه } .
وقد جعله الله جزءا منه في الإسلام ; وتبعا له في الإيمان ، فهو مسلم بإسلام أبيه بإجماع ، ومسلم بإسلام أمه باختلاف ، وماله لأبيه حيا وميتا ، وهكذا في أصول الشريعة ، ولا بيان فوق هذا . والأخ وإن كان بينها بعضية فإنها بعيدة حقيقة وعادة ، فجوزها العلماء في جانب الأخ بشرط العدالة المبررة ، ما لم تجر نفعا .
وخالف
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فقال : يجوز شهادة الزوجين بعضهما لبعض ; لأنهما أجنبيان ; وإنما بينهما عقد الزوجية ، وهو سبب معرض للزوال . وهذا ضعيف : فإن الزوجية توجب الحنان والتعطف والمواصلة والألفة والمحبة ، وله حق في مالها عندنا ، ولذلك لا تتصرف في الهبة إلا في ثلثها . وقد بينا ذلك في مسائل الخلاف ، ولها في ماله حق الكسوة والنفقة ، وهذه شبهة توجب رد الشهادة .
[ ص: 639 ]
المسألة التاسعة : ألحق
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك الصديق الملاطف بالقرابة القريبة ; فهي في العادة أقوى منها ، وهي في المودة ; فكانت مثلها في رد الشهادة .