الآية الخامسة قوله تعالى : {
اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي [ ص: 39 ] أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين } .
فيها عشر مسائل : المسألة الأولى : قوله تعالى : {
اليوم أحل لكم } قد تكرر ذلك اليوم ثلاث مرات ، وفي تأويل ذلك ثلاثة أقوال : الأول : أنه يوم الاثنين
بالمدينة . الثاني : أنه بمعنى الآن ; لأن
العرب تقول اليوم كذا بمعنى الآن ، كأنه وقت الزمان . الثالث : أنه يوم عرفة . المسألة الثانية : في تنخيل هذه الأقوال : وبيانه أن كونه يوم الاثنين ضعيف .
وأما كونه بمعنى الزمان فصحيح محتمل ; لأن ذلك لا يناقض غيره . والصحيح أن قوله : {
اليوم أكملت لكم دينكم } هو يوم
عرفة ، لما ثبت في الصحاح أن يهوديا قال
nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر : لو نزلت علينا هذه الآية لاتخذنا ذلك عيدا . فقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : " قد علمت في أي يوم نزلت هذه الآية ، نزلت
بعرفة يوم جمعة "
. وثبت في صحيح
الترمذي أن يهوديا قال
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس ذلك ، فراجعه
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بمثل ما راجعه
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر . فيحتمل أن يكون اليومان قبله وبعده راجعة إليه ، ويحتمل أن يكون أياما سواها ; والظاهر أنها هي بعينها .
[ ص: 40 ] المسألة الثالثة : في
معنى كمال الدين وتمام النعمة فيه : وفي ذلك كلام طويل لبابه في سبعة أقوال : الأول : أنه معرفة الله ، أراد : " اليوم عرفتكم بنفسي بأسمائي وصفاتي وأفعالي فاعرفوني " .
الثاني : اليوم قبلتكم وكتبت رضائي عنكم لرضائي لدينكم ; فإن تمام الدين إنما يكون بالقبول .
الثالث : اليوم أكملت لكم دعاءكم ; أي استجبت لكم دعاءكم ، ودعاء نبيكم لكم . ثبت في الصحاح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=3568أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة } .
الرابع : اليوم أظهرتكم على العدو بجمع
الحرمين له أو بتعريف ذلك فيه .
الخامس : اليوم طهرت لكم
الحرم عن دخول المشركين فيه معكم ، فلم يحج بعد ذلك العام مشرك ، ولا طاف
بالبيت عريان ، ولا كان الناس صنفين في موقفهم ; بل وقفوا كلهم في موقف واحد .
السادس : اليوم أكملت لكم الفرائض وانقطع النسخ .
السابع : أنه بكمال الدين لم ينزل بعد هذه الآية شيء ; وذلك أن الله سبحانه لم يزل يصرف نبيه وأصحابه في درجات الإسلام ومراتبه درجة درجة حتى أكمل شرائعه ومعالمه وبلغ أقصى درجاته ، فلما أكمله تمت به النعمة ورضيه دينا ، كما هو عليه الآن ; يريد : فالزموه ولا تفارقوه ولا تغيروه ، كما فعل سواكم بدينه . المسألة الرابعة : في المختار من هذه الأقوال : كلها صحيحة ، وقد فعلها الله سبحانه فلا يختص بعضها دون بعض ; بل يقال إن جميعها مراد الله سبحانه وما تعلق بها مما كان في معناها ، إلا أن قوله : إنه لم ينزل
[ ص: 41 ] بعده آية ولا ذكر بعده حكم لا يصح ; وقد ثبت عن
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء في الصحيح أن
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء قال : " آخر آية نزلت {
يستفتونك } وآخر سورة نزلت " براءة " .
وفي الصحيح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : " آخر آية نزلت آية الربا " . وقد روي أنها نزلت قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بيسير . والذي ثبت في تاريخه حديث
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس في قوله : {
اليوم أكملت لكم دينكم } أنه يوم
عرفة ، فهذا تاريخ صحيح لا غبار عليه ، ويأتي تمامه في سورة الأنعام إن شاء الله تعالى .