المسألة الرابعة : في
التحكيم من اليهود : قال
ابن القاسم : إذا جاء الأساقفة والزانيان فالحاكم مخير إن شاء حكم أو لا ؟ لأن إنفاذ الحكم حق الأساقفة . وقال غيره : إذا حكم الزانيان الإمام جاز إنفاذه الحكم ، ولا يلتفت إلى الأساقفة ; وهو الأصح ; لأن مسلمين لو حكما بينهما رجلا لنفذ [ حكمه ] ولم يعتبر رضا
[ ص: 124 ] الحاكم ;
فالكتابيون بذلك أولى ، إذ الحكم ليس بحق للحاكم على الناس ، وإنما هو حق للناس عليه .
وقال
عيسى ، عن
ابن القاسم : لم يكونوا
أهل ذمة ، إنما كانوا أهل حرب ، وهذا الذي قاله
عيسى عنه إنما نزع به لما رواه
الطبري وغيره {
أن الزانيين كانا من أهل خيبر أو فدك ، وكانوا حربا لرسول الله صلى الله عليه وسلم واسم المرأة الزانية يسرة ، وكانوا بعثوا إلى يهود المدينة يقولون لهم : اسألوا محمدا عن هذا ، فإن أفتاكم بغير الرجم فخذوه منه واقبلوه ، وإن أفتى به فاحذروه ، وهذه فتنة أرادها الله فيهم فنفذت ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه ، فقال لهم : من أعلم يهود فيكم ؟ قالوا : ابن صوريا . فأرسل إليه في فدك ، فجاء فنشده الله ، فانتشد له وصدقه بالرجم كما تقدم ، وقال له : والله يا محمد ، إنهم ليعلمون أنك رسول الله ، ثم طبع الله على قلبه ، فبقي على كفره . } وهذا لو كان صحيحا لكان مجيئهم بالزانيين وسؤالهم عهدا وأمانا ، وإن لم يكن عهد ذمة ودار لكان لهم حكم الكف عنهم والعدل فيهم ، فلا حجة لرواية
عيسى في هذا ، وعنهم أخبر الله سبحانه وتعالى بقوله : {
سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك } .