قال : ولهذا ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة [ ص: 315 ] أعادها ثلاثا لتفهم عنه قال : وإنما ثنى الضمير في مثل قوله ، " أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما " لأنه ليس خطبة وعظ وإنما هو تعليم حكم ، فكل ما قل لفظه كان أقرب إلى حفظه ، بخلاف خطبة الوعظ فإنه ليس المراد حفظها وإنما يراد الاتعاظ بها ، ولكنه يرد عليه أنه قد وقع الجمع بين الضميرين منه صلى الله عليه وسلم في حديث الباب ، وهو وارد في الخطبة لا في تعليم الأحكام . وقال القاضي عياض وجماعة من العلماء : إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أنكر على الخطيب تشريكه في الضمير المقتضي للتسوية وأمره بالعطف تعظيما لله تعالى بتقديم اسمه كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر : { nindex.php?page=hadith&LINKID=31911لا يقل أحدكم : ما شاء الله وشاء فلان ، ولكن ليقل : ما شاء الله ثم ما شاء فلان } ويرد على هذا ما قدمنا من جمعه صلى الله عليه وسلم بين ضمير الله وضميره .
ويمكن أن يقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أنكر على ذلك الخطيب التشريك لأنه فهم منه اعتقاد التسوية فنبهه على خلاف معتقده ، وأمره بتقديم اسم الله تعالى على اسم رسوله ليعلم بذلك فساد ما اعتقده قوله : ( فقد غوى ) بفتح الواو وكسرها ، والصواب الفتح كما في شرح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وهو من الغي ، وهو الانهماك في الشر .
وقد اختلف أهل العلم في حكم خطبة الجمعة فذهبت العترة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك إلى الوجوب ، ونسبه nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض إلى عامة العلماء . واستدلوا على الوجوب بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم بالأحاديث الصحيحة ثبوتا مستمرا ، أنه كان يخطب في كل جمعة ، وقد عرفت غير مرة أن مجرد الفعل لا يفيد الوجوب .
واستدلوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=20870صلوا كما رأيتموني أصلي } وهو مع كونه غير صالح للاستدلال به على الوجوب لما قدمنا في أبواب صفة الصلاة ليس فيه إلا الأمر بإيقاع الصلاة على الصفة التي كان يوقعها عليها ، والخطبة ليست بصلاة . واستدلوا أيضا بقوله تعالى : { فاسعوا إلى ذكر الله } وفعله الخطبة بيان للمجمل ، وبيان المجمل الواجب واجب . . ورد بأن الواجب بالأمر هو السعي فقط . وتعقب بأن السعي ليس مأمورا به لذاته بل لمتعلقه وهو الذكر .
ويتعقب هذا التعقب بأن الذكر المأمور بالسعي إليه هو الصلاة ، غاية الأمر أنه متردد بينها وبين الخطبة ، وقد وقع الاتفاق على وجوب الصلاة والنزاع في وجوب الخطبة فلا ينتهض هذا الدليل للوجوب ، فالظاهر ما ذهب إليه nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود الظاهري والجويني من أن الخطبة مندوبة فقط .
وأما الاستدلال للوجوب بحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة المذكور في أول الباب ، وبحديثه أيضا عند nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في دلائل النبوة مرفوعا حكاية عن الله تعالى بلفظ : { nindex.php?page=hadith&LINKID=40053وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي } فوهم ، لأن غاية الأول عدم قبول الخطبة التي لا حمد فيها ، وغاية الثاني عدم جواز خطبة لا شهادة فيها بأنه صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله ، والقبول والجواز وعدمهما لا ملازمة بينها وبين الوجوب قطعا .