. قوله : ( يطعمني ربي ويسقيني ) قال في الفتح : اختلف في معناه هو على حقيقته وأنه صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بطعام وشراب من عند الله كرامة له في ليالي صيامه . وتعقبه ابن بطال ومن تبعه بأنه لو كان كذلك لم يكن مواصلا ، وبأن قوله : " أظل " يدل على وقوع ذلك في النهار . وأجيب بأن الراجح من الروايات بلفظ " أبيت " دون " أظل " ، وعلى تقدير الثبوت فليس حمل الطعام والشراب على المجاز بأولى من حمل لفظ ظل على المجاز وعلى التنزل فلا يضر شيء من ذلك ، لأن ما يؤتى به الرسول على سبيل الكرامة من طعام الجنة وشرابها لا يجري عليه أحكام المكلفين . وقال الزين بن المنير : هو محمول على أن أكله وشربه في تلك الحال كحالة النائم الذي يحصل له الشبع والري بالأكل والشرب ، ويستمر له ذلك حتى يستيقظ فلا يبطل بذلك صومه ولا ينقطع وصاله ولا ينقص من أجره .
وقال الجمهور : هو مجاز عن لازم الطعام والشراب وهو القوة ، فكأنه قال : يعطيني قوة الآكل والشارب ، وهذا هو الظاهر . قوله : ( إياكم والوصال ) وقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد مرتين ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=16867لمالك ثلاث مرات وإسنادها صحيح . قوله : ( فاكلفوا ) بسكون الكاف وبضم اللام : أي احملوا من المشقة في ذلك ما تطيقون . وحكى عياض عن بعضهم أنه قال : هو بهمزة قطع ولا يصح لغة . قوله : ( رحمة لهم ) استدل به من قال : إن الوصال مكروه غير محرم وذهب الأكثر إلى تحريم الوصال . وعن الشافعية وجهان : التحريم ، والكراهة ، وأحاديث الباب تدل على ما ذهب إليه الجمهور ، وأجابوا بأن قوله : " رحمة " لا يمنع التحريم ، فإن من رحمته لهم أن حرمه عليهم . ومن أدلة القائلين بعدم التحريم ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=8435أنه واصل بأصحابه لما أبوا أن ينتهوا عن الوصال فواصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال : لو تأخر لزدتكم كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا } هكذا في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغيره .
وأجاب الجمهور عن ذلك بأن مواصلته صلى الله عليه وسلم بهم بعد نهيه لهم فلم يكن تقريرا بل تقريعا وتنكيلا . واحتمل ذلك منهم لأجل مصلحة النهي في تأكيد زجرهم ; لأنهم إذا باشروا ظهرت لهم حكمة النهي ، وكان ذلك أدعى إلى قبولهم لما يترتب عليه من الملل في العبادة والتقصير فيما هو أهم منه وأرجح من وظائف الصلاة والقراءة وغير ذلك . ومن الأدلة على أن الوصال غير محرم حديث الرجل من الصحابة الذي قدمنا ذكره ، فإنه صرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم الوصال . ومنها ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني [ ص: 259 ] من حديث سمرة قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=54092نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال وليس بالعزيمة } ومنها إقدام الصحابة على الوصال بعد النهي فإن ذلك يدل على أنهم فهموا أن النهي للتنزيه لا للتحريم كما قال الحافظ . وقد ذهب إلى جوازه مع عدم المشقة nindex.php?page=showalam&ids=14عبد الله بن الزبير . وروى nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة عنه بإسناد صحيح أنه كان يواصل خمسة عشر يوما ، وذهب إليه من الصحابة أخت أبي سعيد ، ومن التابعين عبد الرحمن بن أبي نعيم nindex.php?page=showalam&ids=16281وعامر بن عبد الله بن الزبير وإبراهيم بن يزيد التيمي nindex.php?page=showalam&ids=11838وأبو الجوزاء كما في الفتح وهو ظاهر ، فلا أقل من أن تكون هذه الأدلة التي ذكروها صارفة للنهي عن الوصال عن حقيقته ، وذهبت الهادوية إلى كراهة الوصال مع عدم النية وحرمته مع النية .
وذهب nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=13114وابن خزيمة وجماعة من المالكية إلى جواز الوصال إلى السحر لحديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد المذكور في الباب . ومثله ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر { nindex.php?page=hadith&LINKID=4262أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواصل من سحر إلى سحر } وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=16360وعبد الرزاق من حديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، فإن كان اسم الوصال إنما يصدق على إمساك جميع الليل فلا معارضة بين الأحاديث ، وإن كان يصدق على أعم من ذلك فيبنى العام على الخاص ويكون المحرم ما زاد على الإمساك إلى ذلك الوقت .