. قوله : ( وجعلنا مكة بظهر ) أي جعلناها وراء أظهرنا ، وذلك عند إرادتهم الذهاب إلى منى قوله : ( لا يخالطه شيء ) يعني من العمرة ولا القران ولا غيرهما قوله : ( من ذي الحجة ) بكسر الحاء على الأفصح ( قوله أرأيت متعتنا هذه ) أي : أخبرني عن فسخنا الحج إلى عمرتنا هذه التي تمتعنا فيها بالجماع والطيب واللبس . قوله : ( لعامنا هذا ) أي : مخصوصة به لا تجوز في غيره أم للأبد : أي جميع الأعصار . وقد استدل بهذه الأحاديث وبما يأتي بعدها مما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13028المصنف من قال : إنه يجوز فسخ الحج إلى العمرة لكل أحد . وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وطائفة من أهل الظاهر . وقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي . قال النووي وجمهور العلماء من السلف والخلف : إن فسخ الحج إلى العمرة هو مختص بالصحابة في [ ص: 383 ] تلك السنة لا يجوز بعدها ، قالوا : وإنما أمروا به في تلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج
واستدلوا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر وحديث الحارث بن بلال عن أبيه وسيأتيان ويأتي الجواب عنهما . قالوا : ومعنى قوله : " للأبد " جواز الاعتمار في أشهر الحج أو القران فهما جائزان إلى يوم القيامة . وأما فسخ الحج إلى العمرة فمختص بتلك السنة ، وقد عارض المجوزون للفسخ ما احتج به المانعون بأحاديث كثيرة عن أربعة عشر من الصحابة قد ذكر المصنف في هذا الباب منها أحاديث عشرة منهم وهم nindex.php?page=showalam&ids=36جابر وسراقة بن مالك nindex.php?page=showalam&ids=44وأبو سعيد وأسماء وعائشة nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر والربيع بن سبرة nindex.php?page=showalam&ids=48والبراء وأربعة لم يذكر أحاديثهم وهم حفصة nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي وفاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=showalam&ids=110وأبو موسى . قال في الهدي : وروى ذلك عن هؤلاء الصحابة طوائف من كبار التابعين ، حتى صار منقولا عنهم نقلا يرفع الشك ويوجب اليقين ولا يمكن أحدا أن ينكره أو يقول لم يقع ، وهو مذهب أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ومذهب حبر الأمة وبحرها nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وأصحابه ومذهب nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري ومذهب إمام أهل السنة والحديث nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل وأهل الحديث معه ومذهب عبد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة ومذهب أهل الظاهر انتهى . واعلم أن هذه الأحاديث قاضية بجواز الفسخ ، وقول nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر لا يصلح للاحتجاج به على أنها مختصة بتلك السنة وبذلك الركب ، وغاية ما فيه أنه قول صاحبي فيما هو مسرح للاجتهاد فلا يكون حجة على أحد على فرض أنه لم يعارضه غيره فكيف إذا عارضه رأي غيره من الصحابة nindex.php?page=showalam&ids=11كابن عباس فإنه أخرج عنه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم أنه كان يقول : " لا يطوف بالبيت حاج إلا حل " وأخرج عنه nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق أنه قال : " من جاء مهلا بالحج فإن الطواف بالبيت يصيره إلى عمرة شاء أم أبى ، فقيل له : إن الناس ينكرون ذلك عليك ، فقال : هي سنة نبيهم وإن زعموا ، nindex.php?page=showalam&ids=110وكأبي موسى فإنه كان يفتي بجواز الفسخ في خلافة nindex.php?page=showalam&ids=2عمر كما في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، على أن قول nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر معارض بصريح السنة كما تقدم في جوابه صلى الله عليه وسلم لسراقة بقوله : للأبد لما سأله عن متعتهم تلك بخصوصها مشيرا إليها بقوله : " متعتنا هذه " فليس في المقام متمسك بيد المانعين يعتد به ويصلح لنصبه في مقابلة هذه السنة المتواترة . وأما حديث الحارث بن بلال عن أبيه فسيأتي أنه غير صالح للتمسك به على فرض انفراده ، فكيف إذا وقع معارضا لأحاديث أربعة عشر صحابيا كلها صحيحة ، وقد أبعد من قال : إنها منسوخة لأن دعوى النسخ تحتاج إلى نصوص صحيحة متأخرة عن هذه النصوص ، وأما مجرد الدعوى فأمر لا يعجز عنه أحد .
وأما ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=11799إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحل لنا المتعة ثم حرمها علينا } فقال ابن القيم : [ ص: 384 ] إن هذا الحديث لا سند له ولا متن . أما سنده فمما لا تقوم به حجة عند أهل الحديث . وأما متنه فإن المراد بالمتعة فيه متعة النساء . ثم استدل على أن المراد ذلك بإجماع الأمة على أن متعة الحج غير محرمة وبقول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : لو حججت لتمتعت كما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم في سننه . وبقول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر لما سئل " هل نهى عن متعة الحج ؟ فقال : لا ، أبعد كتاب الله ؟ " أخرجه عنه nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق ، وبقوله - صلى الله عليه وسلم - : " بل للأبد " فإنه قطع لتوهم ورود النسخ عليها . واستدل على النسخ بما أخرجه أبو داود : { nindex.php?page=hadith&LINKID=5303أن رجلا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب فشهد عنده أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي قبض فيه ينهى عن العمرة قبل الحج } وهو من رواية nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب عن الرجل المذكور وهو لم يسمع من nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228أبو سليمان الخطابي : في إسناد هذا الحديث مقال ، وقد اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل موته "
وجوز ذلك إجماع أهل العلم ، ولم يذكر فيه خلافا انتهى .
إذا تقرر لك هذا علمت أن هذه السنة عامة لجميع الأمة ، وسيأتي في آخر هذا الباب بقية متمسكات الطائفتين ، وقد اختلف هل الفسخ على جهة الوجوب أو الجواز ؟ فمال بعض إلى أنه واجب .
قال ابن القيم في الهدي بعد أن ذكر حديث nindex.php?page=showalam&ids=48البراء الآتي وغضبه صلى الله عليه وسلم لما لم يفعلوا ما أمرهم به من الفسخ ونحن نشهد الله علينا أنا لو أحرمنا بحج لرأينا فرضا علينا فسخه إلى عمرة تفاديا من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعا لأمره . فوالله ما نسخ هذا في حياته ولا بعده ولا صح حرف واحد يعارضه ولا خص به أصحابه دون من بعدهم ، بل أجرى الله على لسان سراقة أن سأله هل ذلك مختص لهم ؟ فأجابه بأن ذاك كائن لأبد الأبد ، فما ندري ما يقدم على هذه الأحاديث وهذا الأمر المؤكد الذي غضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على من خالفه انتهى . والظاهر أن الوجوب رأيnindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس لقوله فيما تقدم : إن الطواف بالبيت يصيره إلى عمرة شاء أم أبى
قوله : ( من أفجر الفجور ) هذا من أباطيلهم المستندة إلى غير أصل كسائر أخواتها . قوله : ( ويجعلون المحرم صفر ) قال في الفتح : كذا هو في جميع الأصول من الصحيحين . قال النووي : كان ينبغي أن يكتب بالألف ولكن على تقدير حذفها لا بد من قراءته منصوبا لأنه مصروف بلا خلاف ، يعني والمشهور في اللغة الربيعية كتابة المنصوب بغير الألف فلا يلزم من كتابته بغير ألف أن لا يصرف فيقرأ بالألف ، وسبقه عياض إلى نفي الخلاف فيه ، ولكن في المحكم كان أبو عبيدة لا يصرفه ، فقيل : لا يمنع الصرف حتى يجتمع علتان فما هما ؟ قال : المعرفة والساعة ، وفسره المظفري بأن مراده بالساعة الزمان ، والأزمنة ساعات ، والساعات مؤنثة انتهى . وإنما جعلوا المحرم صفرا لما كانوا عليه من النسيء في الجاهلية ، فكانوا يسمون المحرم صفرا ويحلونه ، ويؤخرون تحريم المحرم لئلا يتوالى عليهم ثلاثة أشهر محرمة فيضيق عليهم فيها ما يعتادون من المقاتلة والغارة والنهب ، فضللهم الله عز وجل في ذلك فقال : { إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا } قوله : ( إذا برأ الدبر ) بفتح الدال المهملة والموحدة : أي ما كان يحصل بظهور الإبل من الحمل عليها ومشقة السفر فإنه كان يبرأ عند انصرافهم من الحج .
قوله : ( وعفا الأثر ) أي اندرس أثر الإبل وغيرها في سيرها ويحتمل أن الدبر المذكور ، وهذه الألفاظ تقرأ ساكنة الراء لإرادة السجع . ووجه تعليق جواز الاعتمار بانسلاخ صفر مع كونه ليس من أشهر الحج أنها لما جعلوا المحرم صفرا وكانوا لا يستقرون ببلادهم في الغالب ويبرأ دبر إبلهم إلا عند انسلاخه ألحقوه بأشهر الحج على طريق التبعية ، وجعلوا أول أشهر الاعتمار شهر المحرم الذي هو في الأصل صفر ، والعمرة عندهم في غير أشهر الحج . قوله : ( قال حل كله ) أي الحل الذي يجوز معه كل محظورات الإحرام حتى الوطء للنساء . قوله : ( هذه عمرة استمتعنا بها ) هذا من متمسكات من قال : إن حجه صلى الله عليه وسلم كان تمتعا وتأوله من ذهب إلى خلافه بأنه أراد به من تمتع من أصحابه كما يقول الرجل الرئيس في قومه : فعلنا كذا وهو لم يباشر ذلك ، وقد تقدم الكلام على حجه - صلى الله عليه وسلم - قوله : ( فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة ) قيل : معناه سقط فعلها بالدخول في الحج ، وهو على قول من لا يرى العمرة واجبة . وأما من يرى أنها واجبة فقال النووي : قال أصحابنا وغيرهم : فيه تفسيران : أحدهما معناه دخلت أفعال العمرة في أفعال الحج إذا جمع بينهما بالقران . والثاني : معناه لا بأس بالعمرة في أشهر الحج
قال الترمذي : هكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق ، وهذه الأحاديث من أدلة القائلين بالفسخ ، وقد تقدم البحث في ذلك . [ ص: 387 ]
1874 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=65845قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة وأصحابه مهلين بالحج ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من شاء أن يجعلها عمرة إلا من كان معه الهدي ، قالوا : يا رسول الله أيروح أحدنا إلى منى وذكره يقطر منيا ؟ قال : نعم وسطعت المجامر } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ) . حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر هذا قال في مجمع الزوائد : رجال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رجال الصحيح وهو في الصحيح باختصار ، وهو من أحاديث الفسخ التي قال ابن القيم كلها صحاح ، وهو أحد الأحاديث التي قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل : إن عنده في الفسخ أحد عشر حديثا صحاحا . قوله : ( بات بذي الحليفة حتى أصبح ) فيه استحباب المبيت بميقات الإحرام . قوله : ( وأهل الناس بهما ) فيه استحباب . أن تكون تلبية الناس بعد تلبية كبير القوم ، ولفظ أبي داود : " ثم أهل الناس بهما " . قوله . : ( فحلوا ) أي أمر من فسخ الحج إلى العمرة ممن كان معه أن يحل من عمرته . قوله : ( يوم التروية ) هو اليوم الثامن من ذي الحجة كما تقدم . قوله : ( قياما ) فيه استحباب نحر الإبل قائمة . قوله : ( وذبح بالمدية كبشين ) فيه مشروعية الأضحية ، وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى ويأتي إن شاء الله تعالى تفسير الأملح . قوله : ( وذكره يقطر منيا ) فيه إشارة إلى قرب العهد بوطء النساء .
قوله : ( وسطعت المجامر ) في رواية nindex.php?page=showalam&ids=12508لابن أبي شيبة عن nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء بنت أبي بكر ما لفظه " جئنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجاجا فجعلناها عمرة ، فحللنا الإحلال كله حتى سطعت المجامر بين الرجال . والنساء " والمراد أنهم تبخروا ، والبخور نوع من أنواع الطيب
( بعسفان ) قرية بين مكة والمدينة على نحو مرحلتين من مكة . قال في الموطأ : بين مكة وعسفان أربع برد . قوله : ( اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم ) أي : أعلمنا علم قوم كأنما وجدوا الآن ، وفي رواية لأبي داود : " كأنما وفدوا اليوم أي كأنما وردوا عليك الآن " . قوله : ( إلا من كان معه هدي ) يعني فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله قوله : ( فغضب ) استدل به من قال بوجوب الفسخ لأن الأمر لو كان أمر ندب لكان المأمور مخيرا بين فعله وتركه ، ولما كان يغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند مخالفته لأنه لا يغضب إلا لانتهاك حرمة من حرمات الدين لا لمجرد مخالفة ما أرشد إليه على جهة الندب ، ولا سيما وقد قالوا له : " قد أحرمنا بالحج كيف نجعلها عمرة ؟ فقال لهم : انظروا ما آمركم به فافعلوا " فإن ظاهر هذا أن ذلك أمر حتم ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كان أمره ذلك لبيان الأفضل أو لقصد الترخيص لهم بين لهم بعد هذه المراجعة أن ما أمرتكم به هو الأفضل ، أو قال لهم : إني أردت الترخيص لكم والتخفيف عليكم
1878 - ( وعن سليم بن الأسود أن nindex.php?page=showalam&ids=1584أبا ذر كان يقول فيمن حج ثم فسخها بعمرة : لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . رواه أبو داود . nindex.php?page=showalam&ids=17080ولمسلم nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر قال : كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - خاصة .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل : حديث بلال بن الحارث عندي ليس يثبت ، ولا أقول به ، ولا يعرف هذا الرجل يعني الحارث بن بلال ، وقال : أرأيت لو عرف الحارث بن بلال إلا أن أحد عشر رجلا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يرون ما يرون من الفسخ ، أين يقع الحارث بن بلال منهم ؟ وقال في رواية أبي داود : ليس يصح حديث في أن الفسخ كان لهم خاصة ، وهذا nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى الأشعري يفتي به في خلافة أبي بكر وشطرا من خلافة nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، قلت : ويشهد لما قاله قوله في حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر " بل هي للأبد " وحديث nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر موقوف ، وقد خالفه أبو موسى nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وغيرهما ) أما حديث بلال بن الحارث ففيه ما نقله المصنف عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد . وقال nindex.php?page=showalam&ids=16383المنذري : إن الحارث يشبه المجهول . وقال الحافظ : الحارث بن بلال من ثقات التابعين . وقال ابن القيم : نحن نشهد بالله أن حديث بلال بن الحارث هذا لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو غلط عليه ، قال : ثم كيف يكون هذا ثابتا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس يفتي بخلافه ويناظر عليه طول عمره بمشهد من الخاص والعام وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوافرون ولا يقول له رجل واحد منهم : هذا كان مختصا بنا ليس لغيرنا انتهى . وقد روى عثمان مثل قول nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر في اختصاص ذلك بالصحابة ولكنهما جميعا مخالفان للمروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك للأبد بمحض الرأي ، قد حمل ما قالاه على محامل : أحدها أنهما أرادا اختصاص وجوب ذلك بالصحابة وهو قول ابن تيمية حفيد المصنف ، لا مجرد الجواز والاستحباب فهو للأمة إلى يوم القيامة . وثانيها أنه ليس لأحد بعد الصحابة أن يبتدئ حجا قارنا أو مفردا بلا هدي يحتاج معه إلى الفسخ ، ولكن فرض عليه أن يفعل ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو التمتع لمن لم يسق الهدي والقران لمن ساقه ، وليس لأحد بعدهم أن يحرم بحجة مفردة ثم يفسخها ويجعلها متعة ، وإنما ذلك خاص بالصحابة ، وهذان المحملان يعارضان ما حمل المانعون كلامهما عليه من أن المراد أن الجواز مختص بالصحابة إذا لم يكن منهما مرادا لهم وهما [ ص: 390 ] راجحان عليه ، وأقل الأحوال أن يكونا مساويين له فتسقط معارضة الأحاديث الصحيحة به
وقد خالف عبد الملك جماعة من الحفاظ فرووه على خلاف ما رواه . قال في الهدي بعد أن ساق الروايات المخالفة لرواية عبد الملك : فإن كان محفوظا ، يعني حديث عبد الملك فيتعين أن يكون قبل الأمر بالإحلال وجعله عمرة ، ويكون هذا أمرا زائدا قد طرأ على الأمر بالإتمام كما طرأ على التخيير بين الإفراد والتمتع والقران ويتعين هذا ولا بد ، وإذا كان هذا ناسخا للأمر بالفسخ ، والأمر بالفسخ ناسخا للإذن في الإفراد فهذا محال قطعا فإنه بعد أن أمرهم بالحل لم يأمرهم بنقضه والبقاء على الإحرام الأول وهذا باطل قطعا فيتعين إن كان محفوظا أن يكون قبل الأمر لهم بالفسخ ، لا يجوز غير هذا ألبتة انتهى ومن متمسكاتهم ما في لفظ nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أنها قالت : { nindex.php?page=hadith&LINKID=17739فأما من أهل بعمرة فحل ، وأما من أهل الحج أو جمع بين الحج والعمرة فلم يحل حتى كان يوم النحر } . وأجيب بأن هذا من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11822أبي الأسود عن عروة عنها وقد أنكره عليه الحفاظ . قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل بعد أن ساقه : أيش في هذا الحديث من العجب ؟ هذا خطأ ، فقلت له : الزهري عن عروة عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة بخلافه ، قال : نعم nindex.php?page=showalam&ids=17245وهشام بن عروة ، وقد أنكره nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم ، وأنكر حديث يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة بنحوه عند nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم [ ص: 391 ] وقال : لا خفاء في نكرة حديث nindex.php?page=showalam&ids=11822أبي الأسود ووهنه وبطلانه . والعجب كيف جاز على من رواه . قال : وأسلم الوجوه للحديثين المذكورين عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أن تخرج روايتهما على أن المراد بقولها : إن الذين أهلوا بحج أو بحج وعمرة لم يحلوا ، إنها عنت بذلك من كان معه الهدي لأن الزهري قد خالفهما وهو أحفظ منهما ، وكذلك خالفه غيره ممن له مزيد اختصاص nindex.php?page=showalam&ids=25بعائشة ثم إن حديثيهما موقوفان غير مسندين ; لأنهما إنما ذكر عنها فعل من فعل ما ذكرت دون أن تذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم أن لا يحلوا ولا حجة في أحد دون النبي - صلى الله عليه وسلم - فلو صح ما ذكراه ، وقد صح أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من لا هدي معه بالفسخ ، فتمادى المأمورون بذلك ولم يحلوا لكانوا عصاة لله ، وقد أعاذهم الله من ذلك وبرأهم منه ، قال : فثبت يقينا أن حديث nindex.php?page=showalam&ids=11822أبي الأسود ويحيى إنما عنى فيه من كان معه هدي ، وهكذا جاءت الأحاديث الصحاح بأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر من معه الهدي بأنه يجمع حجا مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا
ومن جملة ما تمسك به المانعون من الفسخ أنه إذا اختلف الصحابة ومن بعدهم في جواز الفسخ فالاحتياط يقتضي المنع منه صيانة للعبادة . وأجيب بأن الاحتياط إنما يشرع إذا لم تتبين السنة ، فإذا ثبت فالاحتياط هو اتباعها وترك ما خالفها ، فإن الاحتياط نوعان : احتياط للخروج من خلاف العلماء ، واحتياط للخروج من خلاف السنة . ولا يخفى رجحان الثاني على الأول . قال في الهدي : وأيضا فإن الاحتياط ممتنع ، فإن للناس في الفسخ ثلاثة أقوال على ثلاثة أنواع : أحدها - أنه محرم . الثاني : أنه واجب وهو قول جماعة من السلف والخلف . الثالث : أنه مستحب فليس الاحتياط بالخروج من خلاف من حرمه أولى بالاحتياط من الخروج من خلاف من أوجبه ; وإذا تعذر الاحتياط بالخروج من الخلاف تعين الاحتياط بالخروج من خلاف السنة انتهى . ومن متمسكاتهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بالفسخ ليبين لهم جواز العمرة في أشهر الحج لمخالفته الجاهلية .
وأجيب بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد اعتمر قبل ذلك ثلاث عمر في أشهر الحج كما سلف ، وبأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بين لهم جواز الاعتمار عند الميقات فقال : " من شاء أن يهل بعمرة فليفعل " الحديث في الصحيحين ، فقد علموا جوازها بهذا القول قبل الأمر بالفسخ ، ولو سلم أن الأمر بالفسخ لتلك العلة لكان أفضل لأجلها فيحصل المطلوب ; لأن ما فعله - صلى الله عليه وسلم - في المناسك لمخالفة أهل الشرك مشروع إلى يوم القيامة ، ولا سيما وقد قال صلى الله عليه وسلم : " إن عمرة الفسخ للأبد " كما تقدم . وقد أطال ابن القيم في الهدي الكلام على الفسخ ، ورجح وجوبه وبين بطلان ما احتج به المانعون منه ، فمن أحب الوقوف على جميع ذيول هذه المسألة فليراجعه ، وإذا كان الموقع في مثل هذا المضيق هو إفراد الحج فالحازم المتحري لدينه الواقف عند مشتبهات الشريعة ينبغي له أن يجعل حجه من الابتداء تمتعا أو قرانا فرارا مما هو مظنة [ ص: 392 ] البأس إلى ما لا بأس به ، فإن وقع في ذلك فالسنة أحق بالاتباع وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل .