أبواب صفة الوضوء فرضه وسننه باب الدليل على وجوب النية له
قال جمهور أهل اللغة : يقال : الوضوء بضم أوله إذا أريد به الفعل الذي هو المصدر ، ويقال : الوضوء : بفتح أوله إذا أريد به الماء الذي يتطهر به ، كذا نقله nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري وجماعات من أهل اللغة وغيرهم ، وذهب nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل nindex.php?page=showalam&ids=13721والأصمعي وأبو حاتم السجستاني والأزهري وجماعة إلى أنه بالفتح فيهما . قال صاحب المطالع : وحكي الضم فيهما جميعا ، وأصل الوضوء من الوضاءة وهي الحسن ، والنظافة ، وسمي وضوء الصلاة وضوءا لأنه ينظف المتوضئ ويحسنه .
باب الدليل على وجوب النية له
163 - ( عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [ ص: 168 ] { nindex.php?page=hadith&LINKID=12419 : إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه } . رواه الجماعة ) . الحديث مداره على nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد الأنصاري عن nindex.php?page=showalam&ids=16900محمد بن إبراهيم التيمي عن nindex.php?page=showalam&ids=16590علقمة بن وقاص عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، ولم يبق من أصحاب الكتب المعتمدة من لم يخرجه سوى nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك فإنه لم يخرجه في الموطإ ، ووهم nindex.php?page=showalam&ids=13138ابن دحية فقال : إنه فيه ، ولعل الوهم اتفق له رأي الشيخين nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي رووه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك .
وما وقع في الشهاب بلفظ : ( الأعمال بالنيات ) بجمع الأعمال وحذف إنما فنقل النووي عن أبي موسى المديني الأصبهاني أنه لا يصح له إسناد ، وأقره النووي قال الحافظ : هو وهم فقد رواه كذلك nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في الأربعين له من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، وكذا أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان من وجه آخر في مواضع تسعة من صحيحه منها في الحادي عشر من الثالث والرابع والعشرين منه والسادس والستين منه ، ذكره في هذه المواضع بحذف إنما ، وكذا رواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في المعرفة .
وفي nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ( الأعمال بالنية ) بحذف إنما وإفراد النية ، قال الحافظ أبو سعيد محمد بن علي الخشاب : رواه عن يحيى بن سعيد نحو مائتين وخمسين إنسانا ، وقال أبو إسماعيل الهروي عبد الله بن محمد الأنصاري : كتبت هذا الحديث عن سبعمائة نفر من أصحاب يحيى بن سعيد قال الحافظ : تتبعته من الكتب والأجزاء حتى مررت على أكثر من ثلاثة آلاف جزء فما استطعت أن أكمل له سبعين طريقا ، ثم رأيت في المستخرج لابن منده عدة طرق فضممتها إلى ما عندي فزادت على ثلثمائة . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار nindex.php?page=showalam&ids=14228والخطابي وأبو علي بن السكن nindex.php?page=showalam&ids=16998ومحمد بن عتاب وابن الجوزي وغيرهم : إنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب .
ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر من طريق nindex.php?page=showalam&ids=9أنس وقال : غريب جدا ، وذكر ابن منده في مستخرجه أنه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرين نفسا ، قال الحافظ : وقد تتبعها شيخنا أبو الفضل بن الحمين في النكت التي جمعها على ابن الصلاح وأظهر أنها في مطلق النية لا بهذا اللفظ . وهذا الحديث قاعدة من قواعد الإسلام حتى قيل : إنه ثلث العلم . ووجهه أن كسب العبد بقلبه وجوارحه ولسانه وعمل القلب أرجحها لأنه يكون عبادة بانفراده دون الآخرين . قوله : ( إنما الأعمال ) هذا التركيب يفيد الحصر من جهتين الأولى : إنما ، فإنها . من صيغ الحصر واختلف هل تفيده بالمنطوق أو بالمفهوم أو بالوضع أو العرف ، وبالحقيقة أم بالمجاز ؟ ومذهب المحققين أنها تفيده بالمنطوق وضعا . حقيقيا قال الحافظ : ونقله شيخنا شيخ الإسلام عن جميع أهل الأصول من المذاهب الأربعة إلا اليسير كالآمدي ، وعلى العكس من ذلك [ ص: 169 ] أهل العربية وموضع البحث عن بقية أبحاث ، إنما الأصول وعلم المعاني فليرجع إليهما . الجهة الثانية : الأعمال لأنه جمع محلى باللام المفيد للاستغراق وهو مستلزم للقصر لأن معناه كل عمل بنية فلا عمل إلا بنية وهذا التركيب من المقتضي المعروف في الأصول وهو ما احتمل أحد تقديرات لاستقامة الكلام ولا عموم له عند المحققين فلا بد من دليل في تعيين أحدها ، وقد اختلف الفقهاء في تقديره ههنا فمن جعل النية شرطا قدر صحة الأعمال ومن لم يشترط قدر كمال الأعمال . قال ابن دقيق العيد : وقد رجح الأول بأن الصحة أكثر لزوما للحقيقة فالحمل عليها أولى لأن ما كان ألزم للشيء كان أقرب إلى خطوره بالبال ا هـ .
قال الحافظ : وقد اتفق العلماء على أن النية شرط في المقاصد واختلفوا في الوسائل ومن ثم خالفت الحنفية في اشتراطها للوضوء . وقد نسب القول بفرضية النية المهدي عليه السلام في البحر إلى nindex.php?page=showalam&ids=8علي وسائر العترة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث nindex.php?page=showalam&ids=15885وربيعة nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه .
قوله : ( بالنية ) الباء للمصاحبة ويحتمل أن تكون للسببية بمعنى أنها مقومة للعمل فكأنها سبب في إيجاده . قال النووي : والنية : القصد وهو عزيمة القلب ، وتعقبه الكرماني بأن عزيمة القلب قدر زائد على أصل القصد . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي : النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرض من جلب نفع أو دفع ضرر حالا أو مآلا ، والشرع خصصه بالإرادة المتوجهة نحو الفعل لابتغاء رضا الله وامتثال حكمه . والنية في الحديث محمولة على المعنى اللغوي ليصح تطبيقه على ما بعده وتقسيمه أحوال المهاجر فإنه تفصيل لما أجمل . والجار والمجرور متعلق بمحذوف هو ذلك المقدر أعني الكمال أو الصحة أو الحصول أو الاستقرار .
قال الطيبي : كلام الشارع محمول على بيان الشرع لأن المخاطبين بذلك هم أهل اللسان فكأنهم خوطبوا بما ليس لهم به علم إلا من قبل الشارع فيتعين الحمل على ما يفيد الحكم الشرعي . قوله : ( وإنما لامرئ ما نوى ) فيه تحقيق لاشتراط النية والإخلاص في الأعمال قاله nindex.php?page=showalam&ids=14979القرطبي فيكون على هذا جملة مؤكدة للتي قبلها . وقال غيره : بل تفيد غير ما أفادته الأولى لأن الأولى نبهت على أن العمل يتبع النية ويصاحبها فيترتب الحكم على ذلك . والثانية أفادت أن العامل لا يحصل له إلا ما نواه قال ابن دقيق العيد : والجملة الثانية أن من نوى شيئا يحصل له وكل ما لم ينوه لم يحصل فيدخل في ذلك ما لا ينحصر من المسائل قال : ومن ههنا عظموا هذا الحديث إلى آخر كلامه .
الهجرة : الترك ، والهجرة إلى الشيء : الانتقال إليه عن غيره .
وفي الشرع : ترك ما نهى الله عنه ، وقد وقعت في الإسلام على وجوه : الهجرة إلى الحبشة . والهجرة إلى المدينة ، وهجرة القبائل . وهجرة من أسلم من أهل مكة . وهجرة من كان مقيما بدار الكفر . والهجرة إلى الشام في آخر الزمان عند ظهور الفتن .
قوله : ( فهجرته إلى الله ورسوله ) وقع الاتحاد بين الشرط والجزاء ، وتغايرهما لا بد منه وإلا لم يكن كلاما مفيدا . وأجيب بأن التقدير فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نية وقصدا فهجرته إلى الله ورسوله حكما وشرعا فلا اتحاد ، وقيل يجوز الاتحاد في الشرط والجزاء والمبتدأ والخبر لقصد التعظيم أو التحقير كأنت أنت : أي العظيم أو الحقير . ومنه قول أبي النجم :
وشعري شعري
أي العظيم . وقيل : الخبر محذوف في الجملة الأولى منهما ، أي فهجرته إلى الله ورسوله محمودة ، أو مثاب عليها ، وفهجرته إلى ما هاجر إليه مذمومة أو قبيحة أو غير مقبولة .
قوله : ( دنيا يصيبها ) بضم الدال وحكى nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة كسرها وهي فعلى من الدنو أي القرب سميت بذلك لسبقها للأخرى . وقيل : لدنوها إلى الزوال ، واختلف في حقيقتها فقيل : ما على الأرض من الهواء والجو . وقيل : كل المخلوقات من الجوهر والأعراض . وإطلاق الدنيا على بعضها كما في الحديث مجاز .
قوله : ( أو امرأة يتزوجها ) إنما خص المرأة بالذكر بعد ذكر ما يعمها وغيرها للاهتمام بها ، وتعقبه النووي بأن لفظ دنيا نكرة وهي لا تعم في الإثبات فلا يلزم دخول المرأة فيها وتعقب بأنها نكرة في سياق الشرط فتعم . ونكتة الاهتمام الزيادة في التحذير لأن الافتتان بها أشد . وحكى nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال عن ابن سراج أن السبب في تخصيص المرأة بالذكر أن العرب كانوا لا يزوجون المولى العربية ويراعون الكفاءة في النسب فلما جاء الإسلام سوى بين المسلمين في مناكحتهم فهاجر كثير من الناس إلى المدينة ليتزوج بها من كان لا يصل إليها . وتعقبه ابن حجر بأنه يفتقر إلى نقل أن هذا المهاجر كان مولى وكانت المرأة عربية . ومنع أن يكون عادة العرب ذلك ومنع أيضا أن الإسلام أبطل الكفاءة ولو قيل : إن تخصيص المرأة بالذكر لأن السبب في الحديث مهاجر أم قيس فذكرت المرأة بعد ذكر ما يشملها لما كانت هجرة ذلك المهاجر لأجلها ، لم يكن بعيدا من الصواب [ ص: 171 ] وهذه نكتة سرية .
والحديث يدل على اشتراط النية في أعمال الطاعات وأن ما وقع من الأعمال بدونها غير معتد به وقد سبق ذكر الخلاف في ذلك ، وفي الحديث فوائد مبسوطة في المطولات لا يتسع لها المقام وهو على انفراده حقيق بأن يفرد له مصنف مستقل .