صفحة جزء
باب ما جاء في الأجرة على القرب 2373 - ( عن عبد الرحمن بن شبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { اقرءوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به } رواه أحمد )

2374 - ( وعن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : اقرءوا القرآن واسألوا الله به ، فإن من بعدكم قوما يقرءون القرآن يسألون به الناس } رواه أحمد والترمذي )

2375 - ( وعن أبي بن كعب قال : { علمت رجلا القرآن فأهدى لي قوسا ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أخذتها أخذت قوسا من نار فرددتها } رواه ابن ماجه ولأبي داود وابن ماجه نحو ذلك من حديث عبادة بن الصامت ، { قال النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص : لا تتخذ مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا } )


أما حديث عبد الرحمن بن شبل فقال في مجمع الزوائد : رجال أحمد ثقات وأخرجه [ ص: 343 ] أيضا البزار ويشهد له أحاديث : منها حديث عمران بن حصين وأبي بن كعب المذكوران في الباب ومنها حديث جابر عند أبي داود قال { خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القرآن وفينا الأعرابي والعجمي ، فقال : اقرءوا فكل حسن ، وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه } ومنها حديث سهل بن سعد عند أبي داود أيضا ، فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { اقرءوا قبل أن يقرأه قوم يقيمونه كما يقوم السهم يتعجل أجره ولا يتأجله } وأما حديث عمران بن حصين فقال الترمذي بعد إخراجه : هذا حديث حسن ليس إسناده بذاك وأما حديث أبي بن كعب فأخرجه أيضا البيهقي والروياني في مسنده قال البيهقي وابن عبد البر : هو منقطع ، يعني : بين عطية الكلاعي وأبي بن كعب .

وكذلك قال المزي وتعقبه الحافظ بأن عطية ولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأعله ابن القطان بالجهل بحال عبد الرحمن بن سلم الراوي عن عطية وله طرق عن أبي ، قال ابن القطان : لا يثبت منها شيء ، قال الحافظ : وفيما قال نظر وذكر المزي في الأطراف له طرقا : منها أن الذي أقرأه أبي هو الطفيل بن عمرو ، ويشهد له ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن الطفيل بن عمرو الدوسي قال { أقرأني أبي بن كعب القرآن فأهديت إليه قوسا ، فغدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقلدها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : تقلدها من جهنم . قلت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا ربما حضر طعامهم فأكلنا ، فقال : أما ما عمل لك فإنما تأكله بخلاقك ، وأما ما عمل لغيرك فحضرته فأكلت منه فلا بأس }

وما أخرجه الأثرم في سننه عن أبي قال : { كنت أختلف إلى رجل مسن قد أصابته علة قد احتبس في بيته أقرئه القرآن ، فيؤتى بطعام لا آكل مثله بالمدينة ، فحاك في نفسي شيء ، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن كان ذلك الطعام طعامه وطعام أهله فكل منه ، وإن كان بحقك فلا تأكله } وأما حديث عبادة الذي أشار إليه المصنف فلفظه قال { : علمت ناسا من أهل الصفة الكتاب والقرآن ، فأهدى إلي رجل منهم قوسا . فقلت : ليست بمال وأرمي عليها في سبيل الله عز وجل ، لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه ، فأتيته فقلت : يا رسول الله إنه رجل أهدى إلي قوسا ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن وليست بمال وأرمي عليها في سبيل الله ، فقال : إن كنت تحب أن تطوق طوقا من نار فاقبلها } وفي إسناده المغيرة بن زياد أبو هاشم الموصلي .

وقد وثقه وكيع ويحيى بن معين وتكلم فيه جماعة .

وقال الإمام أحمد : ضعيف الحديث حدث بأحاديث مناكير ، وكل حديث رفعه فهو منكر وقال أبو زرعة الرازي : لا يحتج بحديثه ، ولكنه قد روي عن عبادة من طريق أخرى عند أبي داود بلفظ { فقلت : ما ترى فيها يا رسول الله ؟ فقال : جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقتها } وفي هذه الطريق بقية بن الوليد وقد تكلم فيه جماعة ووثقه الجمهور إذ روى [ ص: 344 ] عن الثقات ، وقد أورد الحافظ حديث عبادة هكذا في كتاب النفقات من التلخيص وتكلم عليه فليراجع وفي الباب عن معاذ عند الحاكم والبزار بنحو حديث أبي وعن أبي الدرداء عند الدارمي بإسناد على شرط مسلم بنحوه أيضا وأما حديث عثمان بن أبي العاص فقد تقدم الكلام عليه في الأذان

وقد استدل بأحاديث الباب من قال : إنها لا تحل الأجرة على تعليم القرآن وهو أحمد بن حنبل وأصحابه وأبو حنيفة والهادوية ، وبه قال عطاء والضحاك بن قيس والزهري وإسحاق وعبد الله بن شقيق .

وظاهره عدم الفرق بين أخذها على تعليم من كان صغيرا أو كبيرا

وقالت الهادوية : إنما يحرم أخذها على تعليم الكبير لأجل وجوب تعليمه القدر الواجب وهو غير متعين .

ولا يحرم على تعليم الصغير لعدم الوجوب عليه وذهب الجمهور إلى أنها تحل الأجرة على تعليم القرآن وأجابوا عن أحاديث الباب بأجوبة : منها أن حديثا أبي وعبادة قضيتان في عين ، فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنهما فعلا ذلك خالصا لله فكره أخذ العوض عنه

وأما من علم القرآن على أنه لله وأن يأخذ من المتعلم ما دفعه إليه بغير سؤال ولا استشراف نفس فلا بأس به وأما حديث عمران بن حصين فليس فيه إلا تحريم السؤال بالقرآن وهو غير اتخاذ الأجر على تعليمه

وأما حديث عبد الرحمن بن شبل فهو أخص من محل النزاع ; لأن المنع من التأكل بالقرآن لا يستلزم المنع من قبول ما دفعه المتعلم بطيبة من نفسه وأما حديث عثمان بن أبي العاص فالقياس للتعليم عليه فاسد الاعتبار لما سيأتي ، هذا غاية ما يمكن أن يجاب به عن أحاديث الباب .

ولكنه لا يخفى أن ملاحظة مجموع ما تقضي به يفيد ظن عدم الجواز ، وينتهض للاستدلال به على المطلوب

وإن كان في كل طريق من طرق هذه الأحاديث مقال ، فبعضها يقوي بعضها .

ويؤيد ذلك أن الواجبات إنما تفعل لوجوبها ، والمحرمات إنما تترك لتحريمها ، فمن أخذ على شيء من ذلك أجرا فهو من الآكلين لأموال الغير بالباطل ; لأن الإخلاص شرط ، ومن أخذ الأجرة غير مخلص ، والتبليغ للأحكام الشرعية واجب على كل فرد من الأفراد قبل قيام غيره به ومن جملة ما أجاب به المجوزون دعوى النسخ بحديث ابن عباس الآتي ، وسيأتي الجواب عن ذلك

واستدلوا على الجواز أيضا بما أخرجه الشيخان وغيرهما عن سهل بن سعد { أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت : يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك ، فقامت قياما طويلا ، فقام رجل فقال : يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة ، فقال صلى الله عليه وسلم : هل عندك من شيء تصدقها إياه ؟ فقال : ما عندي إلا إزاري هذه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك فالتمس شيئا ، فقال : ما أجد شيئا ، فقال : التمس ولو خاتما من حديد ، فالتمس فلم يجد شيئا ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : هل معك من القرآن [ ص: 345 ] شيء ؟ فقال : نعم سورة كذا وسورة كذا يسميها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قد زوجتكها بما معك من القرآن وفي رواية قد ملكتكها بما معك من القرآن } ولمسلم { زوجتكها تعلمها من القرآن } .

وفي رواية لأبي داود { علمها عشرين آية وهي امرأتك } ولأحمد { قد أنكحتكها على ما معك من القرآن } وقد أجاب المانعون من الجواز عن هذا الحديث بأجوبة منها : أنه زوجها به بغير صداق إكراما له لحفظه ذلك المقدار من القرآن ولم يجعل التعليم صداقا ، وهذا مردود برواية مسلم وأبي داود المذكورة

ومنها أن هذا مختص بتلك المرأة وذلك الرجل ولا يجوز لغيره ، ويدل على ذلك ما أخرجه سعيد بن منصور عن أبي النعمان الأزدي { أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج امرأة على سورة من القرآن ثم قال : لا يكون لأحد بعدك مهرا } ومنها أنه صلى الله عليه وسلم لم يسم لها مهرا ولم يعطها صداقا وأوصى لها بذلك عند موته .

ويؤيده ما أخرجه أبو داود من حديث عقبة بن عامر { : أنه صلى الله عليه وسلم زوج رجلا امرأة ولم يفرض لها مهرا ولم يعطها شيئا ، فأوصى لها عند موته بسهمه من خيبر فباعته بمائة ألف } ومنها أنها قضية فعل لا ظاهر لها

ومن جملة ما احتجوا به على الجواز حديث عمر بن الخطاب المتقدم في الزكاة { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ما أتاك من هذا المال من غير مسألة ولا إشراف نفس فخذه } الحديث ويجاب عنه بأنه عموم مخصص بأحاديث الباب

2376 - ( وعن ابن عباس { أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ أو سليم ، فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال : هل فيكم من راق ، فإن في الماء رجلا لديغا أو سليما ، فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء ، فجاء بالشاء إلى أصحابه فكرهوا ذلك وقالوا : أخذت على كتاب الله أجرا ، حتى قدموا المدينة فقالوا : يا رسول الله أخذ على كتاب الله أجرا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله } رواه البخاري )

2377 - ( وعن أبي سعيد قال { انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب . فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم ، فلدغ سيد ذلك الحي ، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء ، فقال بعضهم : لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعلهم أن يكون عندهم بعض شيء ، فأتوهم فقالوا : يا أيها الرهط [ ص: 346 ] إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه ، فهل عند أحد منكم من شيء ؟ قال بعضهم : إني والله لأرقي ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا ، فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا ، فصالحوهم على قطيع من غنم ، فانطلق يتفل عليه ويقرأ : الحمد لله رب العالمين ، فكأنما نشط من عقال ، فانطلق يمشي وما به قلبة ، قال : فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه ، فقال بعضهم : اقتسموا ، فقال : الذي رقى ، لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان فننظر الذي يأمرنا ، فقدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا له ذلك ، فقال : وما يدريك أنها رقية ، ثم قال : قد أصبتم اقتسموا واضربوا لي معكم سهما ، وضحك النبي صلى الله عليه وسلم } رواه الجماعة إلا النسائي وهذا لفظ البخاري وهو أتم )

قوله : ( فيهم لديغ ) اللديغ بالدال المهملة والغين المعجمة : هو اللسيع وزنا ومعنى ، واللدغ : اللسع ، وأما اللذع بالذال المعجمة والعين المهملة : فهو الإحراق الخفيف ، واللدغ المذكور في الحديث : هو ضرب ذات الحمة من حية أو عقرب أو غيرهما .

وأكثر ما يستعمل في العقرب ، وقد صرح الأعمش في روايته بالعقرب . قوله : ( أو سليم ) هو اللديغ أيضا

قوله : ( إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله ) استدل به الجمهور على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن وأجيب عن ذلك بأن المراد بالأجر هنا الثواب ، ويرد بأن سياق القصة يأبى ذلك ، وادعى بعضهم نسخه بالأحاديث السابقة وتعقب بأن النسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال ، وبأن الأحاديث القاضية بالمنع وقائع أعيان محتملة للتأويل لتوافق الأحاديث الصحيحة كحديثي الباب ، وبأنها مما لا تقوم به الحجة فلا تقوى على معارضة ما في الصحيح ، وقد عرفت مما سلف أنها تنتهض للاحتجاج بها على المطلوب ، والجمع ممكن إما بحمل الأجر المذكور هاهنا على الثواب كما سلف وفيه ما تقدم ، أو المراد أخذ الأجرة على الرقية فقط كما يشعر به السياق فيكون مخصصا للأحاديث القاضية بالمنع أو بحمل الأجر هنا على عمومه ، فيشمل الأجر على الرقية والتلاوة والتعليم ، ويخص أخذها على التعليم بالأحاديث المتقدمة ويجوز ما عداه ، وهذا أظهر وجوه الجمع فينبغي المصير إليه

قوله : ( فاستضافوهم ) أي : طلبوا منهم الضيافة وفي رواية للترمذي " أنهم ثلاثون رجلا " قوله : " فلم يضيفوهم " بالتشديد للأكثر وبكسر الضاد المعجمة مخففا . قوله : " فسعوا له بكل شيء " أي : مما جرت العادة أن يتداوى به من اللدغة قوله : ( وإني والله لأرقي ) ضبطه صاحب الفتح بكسر القاف والرقية كلام يستشفى به من كل عارض . قال في القاموس : والرقية بالضم : العوذة ، الجمع رقى ، ورقاه رقيا ورقيا ورقية : [ ص: 347 ] نفث في عوذته . قوله : ( جعلا ) بضم الجيم وسكون المهملة : ما يعطى على عمل .

قوله : ( على قطيع ) قال ابن التين : هو الطائفة من الغنم وتعقب بأن القطيع هو الشيء المنقطع من غنم كان أو من غيرها قال بعضهم : الغالب استعماله فيما بين العشرة والأربعين

وفي رواية للبخاري " إنا نعطيكم ثلاثين شاة " وهو مناسب لعدد الرهط المذكور سابقا ، فكأنهم جعلوا لكل رجل شاة قوله : ( يتفل ) بضم الفاء وكسرها : وهو نفخ معه قليل بزاق : وقد سبق تحقيقه في الصلاة قال ابن أبي جمرة : محل التفل في الرقية يكون بعد القراءة لتحصل بركة القراءة في الجوارح التي يمر عليها الريق قوله : ( ويقرأ الحمد لله رب العالمين ) في رواية " أنه قرأها سبع مرات " وفي أخرى ( ثلاث مرات ) والزيادة أرجح قوله : ( نشط ) بضم النون وكسر المعجمة من الثلاثي كذا لجميع الرواة قال الخطابي : وهو لغة ، والمشهور نشط : إذا عقد ، وأنشط : إذا حل ، وأصله الأنشوطة بضم الهمزة والمعجمة بينهما نون ساكنة : وهي الحبل ، والعقال بكسر المهملة بعدها قاف : هو الحبل الذي يشد به ذراع البهيمة

قوله : ( وما به قلبة ) بفتح القاف واللام : أي : علة ، وسميت العلة قلبة ; لأن الذي تصيبه يقلب من جنب إلى جنب ليعلم موضع الداء ، قاله ابن الأعرابي . ومنه قول الشاعر :

وقد برئت فما بالصدر من قلبة

وحكي عن ابن الأعرابي أن القلبة : داء مأخوذ من القلاب يأخذ البعير فيؤلمه قلبه فيموت من يومه قوله : ( فقال الذي رقى ) بفتح القاف قوله : ( وما يدريك أنها رقية ) قال الداودي : معناه وما أدراك .

وقد روي كذلك ولعله هو المحفوظ ; لأن ابن عيينة قال : إذا قال : وما يدريك فلم يعلم ، وإذا قال : وما أدراك فقد علم . وتعقبه ابن التين بأن ابن عيينة إنما قال ذلك فيما وقع في القرآن وإلا فلا فرق بينهما في اللغة في نفي الدراية ، وهي كلمة تقال عند التعجب من الشيء ، وتستعمل في تعظيم الشيء أيضا ، وهو لائق هنا كما قال الحافظ وفي رواية بعد قوله : { وما يدريك أنها رقية ؟ قلت : شيء ألقي في روعي } وللدارقطني { قلت : يا رسول الله شيء ألقي في روعي وذلك ظاهر في أنه لم يكن عنده علم متقدم بمشروعية الرقي بالفاتحة }

قوله : ( ثم قال قد أصبتم ) يحتمل أن يكون صوب فعلهم في الرقية ، ويحتمل أن يكون ذلك في توقفهم عن التصرف في الجعل حتى استأذنوه ، ويحتمل ما هو أعم من ذلك قوله : ( واضربوا لي معكم سهما ) أي : اجعلوا لي منه نصيبا ، وكأنه صلى الله عليه وسلم أراد المبالغة في تأنيسهم كما وقع في قصة الحمار الوحشي وغير ذلك وفي الحديثين دليل على جواز الرقية بكتاب الله تعالى ويلتحق به ما كان بالذكر والدعاء المأثور وكذا غير المأثور مما لا يخالف ما في المأثور وأما الرقي [ ص: 348 ] بغير ذلك فليس في الأحاديث ما يثبته ولا ما ينفيه إلا ما سيأتي في حديث خارجة .

وفي حديث أبي سعيد مشروعية الضيافة على أهل البوادي والنزول على مياه العرب وطلب ما عندهم على سبيل القرى أو الشراء وفي مقابلة من امتنع من المكرمة بنظير صنعه ، وفيه الاشتراك في العطية وجواز طلب الهدية ممن يعلم رغبته في ذلك وإجابته إليه

2378 - ( وعن خارجة بن الصلت عن عمه أنه { أتى النبي صلى الله عليه وسلم ثم أقبل راجعا من عنده ، فمر على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد ، فقال أهله : إنا قد حدثنا أن صاحبكم هذا قد جاء بخير ، فهل عندك شيء تداويه ؟ قال : فرقيته بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام كل يوم مرتين فبرأ ، فأعطوني مائتي شاة ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال : خذها فلعمري من أكل برقية باطل فقد أكلت برقية حق } رواه أحمد وأبو داود وقد صح { أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج امرأة رجلا على أن يعلمها سورا من القرآن } ومن ذهب إلى الرخصة لهذه الأحاديث حمل حديث أبي وعبادة على أن التعليم كان قد تعين عليهما وحمل فيما سواهما من الأمر والنهي على الندب والكراهة ) حديث خارجة أخرجه أيضا النسائي .

وسكت عنه أبو داود والمنذري ، ورجال إسناده رجال الصحيح إلا خارجة المذكور وقد وثقه ابن حبان وأخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه وحديث تزويج المرأة قد ذكرناه في أول الباب

قوله : ( عن عمه ) هو علاقة بن صحار بضم الصاد وتخفيف الحاء المهملة ، التميمي الصحابي وقال خليفة : هو عبد الله بن عثير بكسر العين المهملة وسكون المثلثة بعدها مثناة تحتية مفتوحة ثم راء مهملة وقيل : اسمه علاثة ، ويقال سحار بالسين ، والأول أكثر قوله : ( ثلاثة أيام ) لفظ أبي داود " ثلاثة أيام غدوة وعشية كلما ختمها جمع بزاقه ثم تفل " قوله : ( فلعمري ) أقسم بحياة نفسه كما أقسم الله بحياته ، والعمر والعمر بفتح العين وضمها واحد ، إلا أنهم خصوا القسم بالمفتوح لإيثار الأخف .

وذلك لأن الحلف كثير الدور على ألسنتهم ولذلك حذفوا الخبر وتقديره لعمرك مما أقسم ، كما حذفوا الفعل في قولك بالله قوله : ( برقية باطل ) أي : برقية كلام باطل ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، والرقى الباطلة المذمومة هي التي كلامها كفر أو التي لا يعرف معناها كالطلاسم المجهولة المعنى

قوله : ( على أن يعلمها سورا من القرآن ) قد تقدم الجواب عن الاستدلال بهذا الحديث وتحقيق ما هو الحق ، والأحاديث المذكورة في هذا الباب تدل على أنه يجوز للإنسان أن يسترقي ، ويحمل الحديث الوارد في الذين يدخلون الجنة بغير حساب وهم الذين لا يرقون ولا يسترقون على بيان الأفضلية واستحباب التوكل والإذن لبيان الجواز ، ويمكن أن يجمع بحمل [ ص: 349 ] الأحاديث الدالة على ترك الرقية على قوم كانوا يعتقدون نفعها وتأثيرها بطبعها كما كانت الجاهلية يزعمون في أشياء كثيرة

التالي السابق


الخدمات العلمية