قوله : ( الماء الدائم ) هو الساكن قال في الفتح : يقال : دوم الطائر تدويما إذا صف جناحيه في الهواء فلم يحركهما . والرواية الأولى من حديث الباب تدل على المنع من الاغتسال في الماء الدائم للجنابة وإن لم يبل فيه ، والرواية الثانية تدل على المنع من كل واحد من البول والاغتسال فيه على انفراده ، وسيأتي في باب حكم الماء إذا لاقته نجاسة ، حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة هذا بلفظ : " ثم يغتسل فيه " .
ويأتي البحث عن حكم البول في الماء الدائم والاغتسال فيه هنالك . وقد استدل بالنهي عن الاغتسال في الماء الدائم على أن الماء المستعمل يخرج عن كونه أهلا للتطهير ، لأن النهي ههنا عن مجرد الغسل فدل على وقوع المفسدة بمجرده ، وحكم الوضوء حكم الغسل في هذا الحكم ; لأن المقصود التنزه عن التقرب إلى الله تعالى بالمستقذرات ، والوضوء يقذر الماء كما يقذره الغسل .
وقد ذهب إلى أن الماء المستعمل غير مطهر أكثر العترة nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث والأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك في إحدى الروايتين عنهما nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة في رواية عنه .
واحتجوا بهذا الحديث وبحديث النهي عن التوضؤ بفضل وضوء المرأة ، واحتج لهم في البحر بما روي عن السلف من تكميل الطهارة بالتيمم عند قلة الماء لا بما تساقط منه ، وأجيب عن الاستدلال بحديث الباب بأن علة النهي ليست كونه يصير مستعملا بل مصيره مستخبثا بتوارد الاستعمال فيبطل نفعه ، ويوضح ذلك قول nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : يتناوله تناولا ، وباضطراب متنه ، وبأن الدليل أخص من الدعوى ، لأن غاية ما فيه خروج المستعمل للجنابة ، والمدعى خروج كل مستعمل عن الطهورية وعن حديث النهي عن التوضؤ بفضل وضوء المرأة بمنع كون الفضل مستعملا ولو سلم ، فالدليل أخص من الدعوى ; لأن المدعى خروج كل مستعمل ، عن الطهورية لا خصوص هذا المستعمل وبالمعارضة بما أخرجه مسلم nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس { nindex.php?page=hadith&LINKID=44051أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : كان يغتسل بفضل ميمونة } وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد أيضا ، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه بنحوه من حديثه .
وأخرجه أيضا nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، والترمذي وصححه من حديثه [ ص: 38 ] بلفظ : { nindex.php?page=hadith&LINKID=13630اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليتوضأ منها أو يغتسل فقالت له : يا رسول الله إني كنت جنبا فقال : إن الماء لا يجنب } ، وأيضا حديث النهي عن التوضؤ بفضل وضوء المرأة فيه مقال سيأتي بيانه في بابه ، وعن الاحتجاج بتكميل السلف للطهارة بالتيمم لا بما تساقط بأنه لا يكون حجة إلا بعد تصحيح النقل عن جميعهم ، ولا سبيل إلى ذلك ; لأن القائلين بطهورية المستعمل منهم nindex.php?page=showalam&ids=14102كالحسن البصري والزهري nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة في إحدى الروايات عن الثلاثة المتأخرين ، ونسبه nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم إلى nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور وجميع أهل الظاهر ، وبأن المتساقط قد فني ; لأنهم لم يكونوا يتوضئون إلى إناء ، والملتصق بالأعضاء حقير لا يكفي بعض عضو من أعضاء الوضوء ، وبأن سبب الترك بعد تسليم صحته عن السلف وإمكان الانتفاع بالبقية هو الاستقذار ، وبهذا يتضح عدم خروج المستعمل عن الطهورية ، وتحتم البقاء على البراءة الأصلية لا سيما بعد اعتضادها بكليات وجزئيات من الأدلة كحديث : { nindex.php?page=hadith&LINKID=15093خلق الماء طهورا } وحديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=35142مسحه صلى الله عليه وسلم رأسه بفضل ماء كان بيده } وسيأتي وغيرهما .
وقد استدل nindex.php?page=showalam&ids=13028المصنف - رحمه الله - بحديث الباب على عدم صلاحية المستعمل للطهورية فقال : وهذا النهي عن الغسل فيه يدل على أنه لا يصح ولا يجزي وما ذاك إلا لصيرورته مستعملا بأول جزء يلاقيه من المغتسل فيه ، وهذا محمول على الذي لا يحمل النجاسة ، أما ما يحملها فالغسل فيه مجزئ ، فالحدث لا يتعدى إليه حكمه من طريق الأولى انتهى .