حديث أبي موسى فيه دليل على مشروعية تعليم الإماء وإحسان تأديبهن ثم إعتاقهن والتزوج بهن ، وأن ذلك مما يستحق به فاعله أجرين ، كما أن من آمن من أهل الكتاب يستحق أجرين : أجرا بإيمانه بالنبي الذي كان على دينه وأجرا بإيمانه بنبينا صلى الله عليه وسلم ، وكذلك المملوك الذي يؤدي حق الله وحق مواليه يستحق أجرين ، وليس في هذا الحديث ما يدل على أنه يصح أن يجعل العتق صداق المعتقة ، ولكن الذي يدل على ذلك حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس [ ص: 185 ] المذكور لقوله فيه " ما أصدقها ؟ قال : نفسها " وكذلك سائر الألفاظ المذكورة في بقية الروايات
وقد أخذ بظاهر ذلك من القدماء nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس والزهري ، ومن فقهاء الأمصار nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق وحكاه في البحر عن العترة والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن صالح فقالوا : إذا أعتق أمته على أن يجعل عتقها صداقها صح العقد والعتق والمهر وذهب من عدا هؤلاء إلى أنه لا يصح أن يكون العتق مهرا ، ولم يحك هذا القول في البحر إلا عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=16438وابن شبرمة وحكي في موضع آخر عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد أنها تستحق مهر المثل لأنها قد صارت حرة فلا يستباح وطؤها إلا بالمهر وحكى بعضهم عدم صحة جعل العتق مهرا عن الجمهور وأجابوا عن ظاهر الحديث بأجوبة ذكرها في فتح الباري : منها : أنه أعتقها بشرط أن يتزوجها فوجب له عليها قيمتها وكانت معلومة فتزوجها بها ، ولكنه لا يخفى أن ظاهر الروايات أنه جعل المهر نفس العتق لا قيمة المعتقة
ومنها : أنه جعل نفس العتق مهرا ولكنه من خصائصه ويجاب عنه بأن دعوى الاختصاص تفتقر إلى دليل ومنها أن معنى قوله " أعتقها وتزوجها " أنه أعتقها ثم تزوجها ولم يعلم أنه ساق لها صداقا ، فقال : " أصدقها نفسها " أي لم يصدقها شيئا فيما أعلم ، ولم ينف نفس الصداق ويجاب بأنه يبعد أن يأتي الصحابي الجليل بمثل هذه العبارة في مقام التبليغ ويكون مريدا لما ذكرتم ، فإن هذا لو صح لكان من باب الإلغاز والتعمية وقد أيدوا هذا التأويل البعيد بما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من حديث أميمة بنت زريبة عن أمها : أن النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=1166أعتق صفية وخطبها وتزوجها وأمهرها زريبة وكان أتي بها سبية من بني قريظة والنضير } قال الحافظ : وهذا لا يقوم به حجة لضعف إسناده ، ويعارضه ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني nindex.php?page=showalam&ids=11868وأبو الشيخ من حديث صفية نفسها قالت : { nindex.php?page=hadith&LINKID=1165أعتقني النبي صلى الله عليه وسلم وجعل عتقي صداقي } قال الحافظ : وهذا موافق لحديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس وفيه رد على من قال : إن nindex.php?page=showalam&ids=9أنسا قال ذلك بناء على ما ظنه
ومنها أنه يحتمل أن يكون أعتقها بشرط أن ينكحها بغير مهر فلزمها الوفاء بذلك ويكون خاصا به صلى الله عليه وسلم ، ولا يخفى أن هذا تعسف لا ملجئ إليه ومنها ما قاله nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح من أن العتق حل محل المهر وليس بمهر قال : وهذا كقولهم : " الجوع زاد من لا زاد له " وجعل هذا أقرب الوجوه إلى لفظ الحديث ، وتبعه النووي والحامل لمن خالف الحديث على هذه التآويل ظن مخالفته للقياس ، قالوا : لأن العقد إما أن يقع قبل عتقها وهو محل لتناقض حكم الحرية والرق أو بعده ، وذلك غير لازم لها
وأجيب بأن العقد يكون بعد العتق ، فإذا وقع منها الامتناع لزمتها السعاية بقيمتها ولا محذور في ذلك وبالجملة فالدليل قد ورد بهذا ، ومجرد الاستبعاد لا يصلح لإبطال ما صح من الأدلة ، والأقيسة مطرحة في مقابلة النصوص الصحيحة فليس بيد المانع [ ص: 186 ] برهان ويؤيد الجواز ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : { أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل عتق nindex.php?page=showalam&ids=149جويرية بنت الحارث المصطلقية صداقها } وأخرج نحوه أبو داود من طريق nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، وقد نسب القول بالجواز ابن القيم في الهدي إلى nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=12031وأبي سلمة قال : وهو الصحيح الموافق للسنة وأقوال الصحابة والقياس ، وأطال البحث في المقام بما لا مزيد عليه فليراجع