صفحة جزء
باب ما يجب فيه التعديل بين الزوجات وما لا يجب 2832 - ( عن أنس قال : { كان للنبي صلى الله عليه وسلم تسع نسوة ، وكان إذا قسم بينهن لا ينتهي إلى المرأة الأولى إلى تسع ، فكن يجتمعن كل ليلة في بيت التي يأتيها } . رواه مسلم ) .

2833 - ( وعن عائشة قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا امرأة امرأة ، فيدنو ويلمس من غير مسيس حتى يفضي إلى التي هو يومها فيبيت عندها } . رواه أحمد وأبو داود بنحوه .

وفي لفظ : { كان إذا انصرف من صلاة العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن } . متفق عليه ) .

2834 - ( وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من كانت له امرأتان يميل [ ص: 257 ] لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطا أو مائلا } رواه الخمسة ) .


حديث عائشة أخرجه أيضا البيهقي والحاكم وصححه ، ولفظ أبي داود في رواية : كان { لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا ، وكان ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ التي هو يومها فيبيت عندها } .

وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا الدارمي وابن حبان والحاكم ، قال : وإسناده على شرط الشيخين . واستغربه الترمذي مع تصحيحه . وقال عبد الحق : وهو خبر ثابت لكن علته أن هماما تفرد به وأن هشاما رواه عن قتادة فقال : كان يقال . وأخرج أبو نعيم عن أنس نحوه .

قوله : ( إلى تسع ) فيه دليل على أن القسمة كانت بين تسع ، ولكن المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين ثمان من نسائه فقط ، فكان يجعل لعائشة يومين يومها ويوم سودة الذي وهبته لها ، ولكل واحدة يوما .

وفيه دليل على أنه لا يشترط في العدل بين الزوجات أن يفرد لكل واحدة ليلة بحيث لا يجتمع فيها مع غيرها ، بل يجوز مجالسة غير صاحبة النوبة ومحادثتها ، ولهذا كن يجتمعن كل ليلة في بيت صاحبة النوبة . وكذلك يجوز للزوج دخول بيت غير صاحبة النوبة والدنو منها واللمس إلا الجماع كما في حديث عائشة المذكور .

قوله : ( يميل لإحداهما ) فيه دليل على تحريم الميل إلى إحدى الزوجتين دون الأخرى إذا كان ذلك في أمر يملكه الزوج كالقسمة والطعام والكسوة . ولا يجب على الزوج التسوية بين الزوجات فيما لا يملكه كالمحبة ونحوها لحديث عائشة الآتي . وقد ذهب أكثر الأئمة إلى وجوب القسم بين الزوجات . وحكي في البحر عن قوم مجاهيل أنه يجوز لمن له زوجتان أن يقف مع إحداهما ليلة ومع الأخرى ثلاثا ; لأن له أن ينكح أربعا وله إيثار أيتهما شاء بالليلتين ، ومثله عن الناصر ، لكن حمله أصحابه على الحكاية دون أن يكون مذهبه ، ولا شك أن مثل هذا يعد من الميل الكلي ، والله يقول : { فلا تميلوا كل الميل } .

2835 - ( وعن عائشة قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل ويقول : اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك } رواه الخمسة إلا أحمد ) .

2836 - ( عن عمر قال : { قلت : يا رسول الله لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لها : لا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، يريد عائشة ، فتبسم [ ص: 258 ] النبي صلى الله عليه وسلم } . متفق عليه ) .

2837 - ( وعن عائشة : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه : أين أنا غدا ؟ أين أنا غدا ؟ يريد يوم عائشة ؟ فأذن له أزواجه يكون حيث شاء ، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها } . متفق عليه ) .

2838 - ( وعن عائشة : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا أقرع بين أزواجه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه } . متفق عليه ) . حديث عائشة الأول أخرجه أيضا الدرامي وصححه ابن حبان والحاكم ، ورجح الترمذي إرساله فقال : رواية حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة مرسلا أصح ، وكذا أعله النسائي والدارقطني . وقال أبو زرعة : لا أعلم أحدا تابع حماد بن سلمة على وصله .

قوله : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل ) استدل به من قال : إن القسم كان واجبا عليه . وذهب بعض المفسرين والإصطخري والمهدي في البحر إلى أنه لا يجب عليه . واستدلوا بقوله تعالى : { ترجي من تشاء منهن } الآية ، وذلك من خصائصه . قوله : ( فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) قال الترمذي : يعني به الحب والمودة ، كذلك فسره أهل العلم . وقد أخرج البيهقي من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء } قال : في الحب والجماع . وعند عبيدة بن عمرو السلماني مثله .

قوله : ( أن كانت جارتك ) بالفتح للهمزة وبالكسر كما قال في الفتح ، والمراد بالجارة ههنا : الضرة ، أو هو على حقيقته لأنها كانت مجاورة لها . قال في الفتح : والأولى أن يحمل اللفظ هنا على معنييه لصلاحيته لكل منهما ، والعرب تطلق على الضرة جارة لتجاورهما المعنوي لكونهما عند شخص واحد وإن لم يكن حسيا .

قوله : ( أوضأ منك ) من الوضاءة ، ووقع في رواية معمر " أوسم " من الوسامة ، والمراد : أجمل ، كأن الجمال وسمة : أي علامة . قوله : ( يريد يوم عائشة ) فيه دليل على أن مجرد إرادة الزوج أن يكون عند بعض نسائه في مرضه أو في غيره لا يكون محرما عليه بل يجوز له ذلك ، ويجوز للزوجات الإذن له بالوقوف مع واحدة منهن . قوله : ( إذا أراد سفرا ) مفهومه اختصاص القرعة بحالة السفر وليس على عمومه ، بل لتعين القرعة من يسافر بها ، ويجري القرعة أيضا فيما إذا أراد أن يقسم بين نسائه فلا يبدأ بأيتهن شاء ، بل يقرع بينهن فيبدأ بالتي تخرج لها القرعة إلا أن يرضين بتقديم من اختاره جاز بلا قرعة . قوله : ( أقرع ) [ ص: 259 ] استدل بذلك على مشروعية القرعة في القسمة بين الشركاء وغير ذلك . والمشهور عن الحنفية والمالكية عدم اعتبار القرعة .

قال القاضي عياض : هو مشهور عن مالك وأصحابه لأنها من باب الحظ والقمار . وحكي عن الحنفية إجازتها ، انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية