قوله : ( بنسعة ) بكسر النون وسكون السين بعدها عين مهملة . قال في القاموس : النسع بالكسر : سير ينسج عريضا على هيئة أعنة البغال تشد به الرحال ، والقطعة منه نسعة وسمي نسعا لطوله . الجمع نسع بالضم ونسع بالكسر كعنب وأنساع ونسوع قوله : ( نحتطب ) من الاحتطاب . ووقع في نسخة " نختبط " من الاختباط . قوله : ( إن قتله فهو مثله ) قد استشكل هذا بعد إذنه صلى الله عليه وسلم بالاقتصاص وإقرار القاتل القتل على الصفة المذكورة ، والأولى حمل هذا المطلق على المقيد بأنه لم يرد قتله بذلك الفعل . قال المصنف رحمه الله تعالى: وقال nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة في قوله " إن قتله فهو مثله " لم [ ص: 41 ] يرد أنه مثله في المأثم ، وكيف يريده والقصاص مباح ولكن أحب له العفو فعرض تعريضا أوهمه به أنه إن قتله كان مثله في الإثم ليعفو عنه ، وكان مراده أنه يقتل نفسا كما أن الأول قتل نفسا ، وإن كان الأول ظالما والآخر مقتصا .
وقيل : معناه كان مثله في حكم البواء فصارا متساويين لا فضل للمقتص إذا استوفى على المقتص منه . وقيل : أراد ردعه عن قتله ، لأن القاتل ادعى أنه لم يقصد قتله ، فلو قتله الولي كان في وجوب القود عليه مثله لو ثبت منه قصد القتل ، يدل عليه ما روى nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=26398قتل رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع القاتل إلى وليه ، فقال القاتل : يا رسول الله والله ما أردت قتله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما إنه إن كان صادقا فقتلته دخلت النار ، فخلاه الرجل وكان مكتوفا بنسعة فخرج يجر نسعته ، قال : فكان يسمى ذا النسعة } رواه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه والترمذي وصححه انتهى . وأخرج هذا الحديث أيضا nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي وهو مشتمل على زيادة وهي تقييد الإقرار بأنه لم يرد القتل بذلك الفعل فيتعين قبولها ويحمل المطلق على المقيد كما تقدم فيكون عدم قصد القتل موجبا لكون القتل خطأ ولكنه يشكل على قول من قال : إن عدم قصد القتل إنما يصير القتل من جنس الخطإ إذا كان بما مثله لا يقتل في العادة لا إذا كان مثله يقتل في العادة فإنه يكون عمدا وإن لم يقصد به القتل ، وإلى هذا ذهبت الهادوية والحديث يرد عليهم . لا يقال : الحديث مشكل من جهة أخرى وهي أنه صلى الله عليه وسلم أذن لولي المجني عليه بالاقتصاص ولو كان القتل خطأ لم يأذن له بذلك إذ لا قصاص في قتل الخطإ إجماعا كما حكاه صاحب البحر وهو صريح القرآن والسنة ; لأنا نقول : لم يمنعه صلى الله عليه وسلم من الاقتصاص بمجرد تلك الدعوى لاحتمال أن يكون المدعي كاذبا فيها بل حكم على القاتل بما هو ظاهر الشرع ، ورهب ولي الدم عن القود بما ذكره معلقا لذلك على صدقه .
قوله : ( أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك ) أما كون القاتل يبوء بإثم المقتول فظاهر ، وأما كونه يبوء بإثم وليه فلأنه لما قتل قريبه وفرق بينه وبينه كان جانيا عليه جناية شديدة لما جرت به عادة البشر من التألم لفقد القريب والتأسف على فراق الحبيب ، ولا سيما إذا كان ذلك بقتله ، ولا شك أن ذلك ذنب شديد ينضم إلى ذنب القتل ، فإذا عفا ولي الدم عن القاتل كانت ظلامته بقتل قريبه وإحراج صدره باقية في عنق القاتل فينتصف منه يوم القيامة بوضع ما يساويها من ذنوبه عليه فيبوء بإثمه قوله : ( قال يا نبي الله لعله ) أي لعله أن لا يبوء بإثمي وإثم صاحبي ، فقال صلى الله عليه وسلم : بلى ، يعني بلى يبوء بذلك ، وأما قوله في الرواية الأخرى : " بإثم صاحبه وإثمه " فلا إشكال فيه ، وهو مثل ما حكاه الله في القرآن عن ابن آدم حيث قال : { إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك } والمراد بالبواء الاحتمال . قال في القاموس : وبذنبه بوأ وبواء : احتمله أو اعترف [ ص: 42 ] به ودمه بدمه عدله وبفلان قتل به فقاومه انتهى . وقد استدل nindex.php?page=showalam&ids=13028المصنف رحمه اللهبحديث nindex.php?page=showalam&ids=101وائل بن حجر على أنه يثبت القصاص على الجاني بإقراره وهو مما لا أحفظ فيه خلافا إذا كان الإقرار صحيحا متجردا عن الموانع .