قوله : ( من غامد ) بغين معجمة ودال مهملة ، لقب رجل هو أبو قبيلة وهم بطن من جهينة ، ولهذا وقع في حديث عمران بن حصين المذكور امرأة من جهينة ، وهي [ ص: 134 ] هذه ، واسم غامد المذكور عمرو بن عبد الله ولقب بغامد لإصلاحه أمرا كان في قومه ، وهذه القصة قد رواها جماعة من الصحابة منهم nindex.php?page=showalam&ids=134بريدة وعمران بن حصين كما ذكره المصنف في هذا الباب وفي الباب الأول .
وفي حديث عمران بن حصين المذكور أنها " لما أقرت دعا النبي صلى الله عليه وسلم وليها وأمره بالإحسان إليها حتى تضع ثم جاء بها عند الوضع فرجمت ولم يمهلها إلى الفطام " ويمكن الجمع بأنها جاءت عند الولادة وجاء معها وليها وتكلمت وتكلم ، ولكنه يبقى الإشكال في رواية أنه رجمها عند الولادة ولم يؤخرها ، ورواية أنه أخرها إلى الفطام ، وقد قيل إنهما روايتان صحيحتان والقصة واحدة ، ورواية التأخير رواية صحيحة صريحة لا يمكن تأويلها ، فيتعين تأويل الرواية القاضية بأنها رجمت عند الولادة بأن يقال فيها طي وحذف والتقدير أن وليها جاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم عند الولادة فأمر بتأخيرها إلى الفطام ثم أمر بها فرجمت
ولا يخفى أن هذا وإن تم باعتبار حديث عمران المذكور في الباب فلا يتم باعتبار حديث nindex.php?page=showalam&ids=134بريدة المذكور فإن فيه " أنه قام رجل من الأنصار فقال : إلي رضاعه يا نبي الله ، فرجمها " ويبعد أن يقال إن هذا لا يدل على أنه قبل قوله وكفالته بل أخرها إلى الفطام ثم أمر برجمها بعد ذلك ; لأن ذلك السياق يأبى كل الإباء ، وما أكثر ما يقع مثل هذا الاختلاف بين الصحابة في القصة الواحدة التي مخرجها متحد بالاتفاق ثم ترتكب لأجل الجمع بين روايتهم العظائم التي لا تخلو في الغالب من تعسفات وتكلفات كأن السهو والغلط والنسيان لا يجري عليهم وما هم إلا كسائر الناس في العوارض البشرية ، فإن أمكننا الجمع بوجه سليم عن التعسفات فذاك وإلا توجه علينا المصير إلى الترجيح وحمل الغلط أو النسيان على الرواية المرجوحة ، إما من الصحابي أو ممن هو دونه من الرواة .
وقد مر لنا في هذا الشرح عدة مواطن من هذا القبيل مشينا فيها على ما مشى عليه الناس من الجمع بوجوه ينفر عن قبولها كل طبع سليم ، ويأبى الرضا بها كل عقل مستقيم . قوله : ( أصبت حدا فأقمه علي ) هذا الإجمال قد وقع من المرأة تبيينه . كما في سائر الروايات ، ولكنه وقع الاختصار في هذه الرواية كما يشعر بذلك قوله صلى الله عليه وسلم عقب ذلك : " أحسن إليها فإذا وضعت فأتني " وقد قدمنا أن مجرد الإقرار بالحد من دون تعيين لا يجوز للإمام [ ص: 135 ] أن يحد به . قوله : ( أحسن إليها ) إنما أمره بذلك لأن سائر قرابتها ربما حملتهم الغيرة وحمية الجاهلية على أن يفعلوا بها ما يؤذيها فأمره بالإحسان تحذيرا من ذلك .
قوله : ( فشدت ) في رواية : " فشكت " ومعناهما واحد والغرض من ذلك أن لا تنكشف عند وقوع الرجم عليها لما جرت به العادة من الاضطراب عند نزول الموت وعدم المبالاة بما يبدو من الإنسان ، ولهذا ذهب الجمهور إلى أن المرأة ترجم قاعدة والرجل قائما لما في ظهور عورة المرأة من الشناعة ، وقد زعم النووي أنه اتفق العلماء على أن المرأة ترجم قاعدة وليس في الأحاديث ما يدل على ذلك ولا شك أنه أقرب إلى الستر ، ولم يحك ذلك في البحر إلا عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة والهادوية . وحكي عن nindex.php?page=showalam&ids=16330ابن أبي ليلى nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف أنها تحد قائمة ، وذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك إلى أن الرجل يحد قاعدا .
قوله : ( ثم صلى عليها ) قد تقدم الخلاف في ذلك في كتاب الجنائز . قوله : ( لو قسمت بين سبعين . . . إلخ ) في رواية nindex.php?page=showalam&ids=134بريدة المتقدمة في الباب الأول " لو تابها صاحب مكس " ولا مانع من أن يكون ذلك قد وقع جميعه منه صلى الله عليه وسلم .
وفيه دليل على أن الحدود لا تسقط بالتوبة ، وإليه ذهب جماعة من العلماء منهم الحنفية والهادي . وذهب جماعة منهم إلى سقوطها بها ، ومنهم nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وقد استدل بقصة الغامدية على أنه يجب تأخير الحد عن الحامل حتى تضع ثم حتى ترضع وتفطم ، وعند الهادوية أنها لا تؤخر إلى الفطام إلا إذا عدم مثلها للرضاع والحضانة ، فإن وجد من يقوم بذلك لم تؤخر ، وتمسكوا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=134بريدة المذكور . قوله : ( اتركها حتى تماثل ) بالمثلثة ، قال في القاموس : تماثل العليل : قارب البرء ، وفي رواية لأبي داود : " حتى ينقطع عنها الدم " وسيأتي في باب حد الرقيق بلفظ : " إذا تعالت من نفاسها فاجلدها " وفيه دليل على أن المريض يمهل حتى يبرأ أو يقارب البرء .
وقد حكي في البحر الإجماع على أنه يمهل البكر حتى تزول شدة الحر والبرد والمرض المرجو ، فإن كان مأيوسا فقال الهادي وأصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إنه يضرب بعثكول إن احتمله . وقال الناصر والمؤيد بالله : لا يحد في مرضه وإن كان مأيوسا والظاهر الأول لحديث nindex.php?page=showalam&ids=131أبي أمامة بن سهل بن حنيف الآتي قريبا . والمرجوم إذا كان مريضا أو نحوه فذهبت العترة والشافعية والحنفية nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك إلى أنه لا يمهل لمرض ولا لغيره إذ القصد إتلافه . وقال المروزي : يؤخر لشدة الحر أو البرد أو المرض ، سواء ثبت بإقراره أو بالبينة ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11976الإسفراييني يؤخر للمرض فقط وفي الحر والبرد أوجه : يرجم في الحال ، أو حيث يثبت بالبينة لا الإقرار أو العكس .