كتاب حد شارب الخمر [ ص: 165 ] عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس { nindex.php?page=hadith&LINKID=2775أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب الخمر فجلد بجريدتين نحو أربعين } ، قال : وفعله nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر فلما كان nindex.php?page=showalam&ids=2عمر استشار الناس ، فقال عبد الرحمن : أخف الحدود ثمانين فأمر به nindex.php?page=showalam&ids=2عمر . رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه ) .
قوله : ( قد شرب الخمر ) اعلم أن الخمر يطلق على عصير العنب المشتد إطلاقا حقيقيا إجماعا . واختلفوا هل يطلق على غيره حقيقة أو مجازا ؟ وعلى الثاني هل مجاز لغة كما جزم به صاحب المحكم ؟ قال صاحب الهداية من الحنفية : الخمر عندنا ما اعتصر من ماء العنب إذا اشتد ، وهو المعروف عند أهل اللغة وأهل العلم انتهى . أو من باب القياس على الخمر الحقيقية عند من يثبت التسمية بالقياس . وقد صرح في الراغب أن الخمر عند البعض اسم لكل مسكر وعند بعض للمتخذ من العنب والتمر ، وعند بعضهم لغير المطبوخ ، ورجح أن كل شيء يستر العقل يسمى خمرا لأنها سميت بذلك لمخامرتها للعقل وسترها له ، وكذا قال جماعة من أهل اللغة منهم nindex.php?page=showalam&ids=14042الجوهري وأبو نصر القشيري والدينوري وصاحب القاموس ، ويؤيد ذلك أنها حرمت بالمدينة وما كان شرابهم يومئذ إلا نبيذ البسر والتمر . ويؤيده أيضا أن الخمر في الأصل : الستر ، ومنه خمار المرأة لأنه يستر وجهها ، والتغطية ومنه : { nindex.php?page=hadith&LINKID=18564خمروا آنيتكم } أي غطوها ، والمخالطة ومنه خامره داء : أي خالطه ، والإدراك ومنه اختمر العجين : أي بلغ وقت إدراكه .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : الأوجه كلها موجودة في الخمر لأنها تركت حتى أدركت وسكنت ، فإذا شربت خالطت العقل حتى تغلب عليه وتغطيه . ونقل عن nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي أنه قال : سميت الخمر خمرا لأنها تركت حتى اختمرت ، واختمارها تغير رائحتها . قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : زعم قوم أن العرب لا تعرف الخمر إلا من العنب ، فيقال لهم : إن الصحابة الذين سموا غير المتخذ من العنب خمرا عرب فصحاء ، فلو لم يكن هذا الاسم صحيحا لما أطلقوه انتهى . ويجاب بإمكان أن يكون ذلك الإطلاق الواقع منهم شرعيا لا لغويا ، وأما الاستدلال على اختصاص الخمر بعصير العنب بقوله تعالى : { إني أراني أعصر خمرا } ففاسد لأن الصيغة لا دليل فيها على الحصر المدعى وذكر شيء بحكم لا ينفي ما عداه .
وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر عن أهل المدينة وسائر الحجازيين وأهل الحديث كلهم أن كل مسكر خمر . وقال القرطبي : الأحاديث الواردة [ ص: 167 ] عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس وغيره على صحتها وكثرتها تبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب ، وما كان من غيره لا يسمى خمرا ولا يتناوله اسم الخمر ، وهو قول مخالف للغة العرب وللسنة الصحيحة وللصحابة ; لأنهم لما نزل تحريم الخمر فهموا من الأمر بالاجتناب تحريم كل ما يسكر ، ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب وبين ما يتخذ من غيره بل سووا بينهما وحرموا كل ما يسكر نوعه ولم يتوقفوا ولم يستفصلوا ولم يشكل عليهم شيء من ذلك بل بادروا إلى إتلاف ما كان من غير عصير العنب وهم أهل اللسان وبلغتهم نزل القرآن ، فلو كان عندهم تردد لتوقفوا عن الإراقة حتى يستفصلوا ويتحققوا التحريم .
وروي أيضا أنه خطب nindex.php?page=showalam&ids=2عمر على المنبر وقال : " ألا إن الخمر قد حرمت وهي من خمسة من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير ، والخمر ما خامر العقل " . وهو في الصحيحين وغيرهما وهو من أهل اللغة
. وتعقب بأن ذلك يمكن أن يكون إطلاقا للاسم الشرعي لا اللغوي فيكون حقيقة شرعية . قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : القائل بأن الخمر من العنب وغيره nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي nindex.php?page=showalam&ids=37وسعد nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=110وأبو موسى nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وعائشة ، ومن غيرهم nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق وعامة أهل الحديث . وحكاه في البحر عن الجماعة المذكورين من الصحابة إلا nindex.php?page=showalam&ids=110أبا موسى وعائشة وعن المذكورين من غيرهم إلا nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب ، وزاد العترة nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالكا والأوزاعي وقال : إنه يكفر مستحل خمر الشجرتين ، ويفسق مستحل ما عداهما ولا يكفر لهذا الخلاف ، ثم قال : فرع : وتحريم سائر المسكرات بالسنة والقياس فقط إذ لا يسمى خمرا إلا مجازا . وقيل : بهما وبالقرآن لتسميتها خمرا في حديث : { nindex.php?page=hadith&LINKID=12170إن من التمر خمرا } الخبر ، وقول nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر : " الخمر ما خامر العقل " قلنا : مجازا انتهى . وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أحاديث : منها ما هو بلفظ : { nindex.php?page=hadith&LINKID=28821كل مسكر خمر . كل مسكر حرام } ومنها ما هو بلفظ : { nindex.php?page=hadith&LINKID=28762كل شراب أسكر فهو حرام } وهذا لا يفيد المطلوب وهو كونها حقيقة في غير عصير العنب ، أو مجازا لأن هذه الأحاديث غاية ما يثبت بها أن المسكر على عمومه يقال له : خمر ويحكم بتحريمه ، وهذه حقيقة شرعية لا لغوية ، وقد صرح nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي بمثل هذا وقال : إن مسمى الخمر كان مجهولا عند المخاطبين حتى بينه الشارع بأنه ما أسكر فصار ذلك كلفظ الصلاة والزكاة وغيرهما من الحقائق الشرعية ، وقد عرفت ما سلف عن أهل اللغة من الخلاف .
وفي ذلك دليل على مشروعية أن يكون الجلد بالجريد ، وإليه ذهب بعض الشافعية . وقد صرح القاضي أبو الطيب ومن تبعه بأنه لا يجوز بالسوط . [ ص: 168 ] وصرح القاضي حسين بتعين السوط ، واحتج بأنه إجماع الصحابة ، وخالفه النووي في شرح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم فقال : أجمعوا على الاكتفاء بالجريد والنعال وأطراف الثياب ثم قال : والأصح جوازه بالسوط . وحكى الحافظ عن بعض المتأخرين أنه يتعين السوط للمتمردين وأطراف الثياب والنعال للضعفاء ومن عداهم بحسب ما يليق بهم ، وهذه الرواية مصرحة بأن الأربعين كانت بجريدتين .
وورد أيضا الضرب بالأردية كما في رواية nindex.php?page=showalam&ids=256السائب بن يزيد المذكورة .
وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي المذكور في جلد الوليد تصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم جلد أربعين ، وهو يخالف ما سيأتي من حديثه " أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسن في ذلك سنة " . ويمكن الجمع بأن المراد بالسنة المذكورة في الحديث الآتي هي الطريقة المستمرة وفعل الأربعين في مرة واحدة لا يستلزم أن يكون ذلك سنة مع عدم الاستمرار كما في سائر الروايات . وقيل تحمل رواية الأربعين على التقريب دون التحديد . ويمكن الجمع أيضا بما سيأتي أنه جلد الوليد بسوط له طرفان فكان الضرب باعتبار المجموع أربعين وبالنظر إلى الحاصل من كل واحد من الطرفين ثمانين .
وقد ضعف nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي هذه الرواية التي فيها التصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم جلد أربعين لعبد الله بن فيروز ، أو يجاب بأنه قد قوى الحديث nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري كما روى ذلك الترمذي عنه . ووثق عبد الله المذكور أبو زرعة nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، وإخراج nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم له دليل على أنه من المقبولين . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : إن هذا الحديث أثبت شيء في هذا الباب ، واستدل nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي على ضعف الحديث بقوله فيه : " وكل سنة . . . إلخ " قال لأن nindex.php?page=showalam&ids=8عليا لا يرجح فعل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر على فعل النبي بناء منه على أن قول nindex.php?page=showalam&ids=8علي " وهذا أحب إلي إشارة إلى الثمانين التي فعلها nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، وليس الأمر كذلك بل المشار إليه هو الجلد الواقع بين يديه في تلك الحال وهو أربعون كما يشعر بذلك الظاهر ولكنه يشكل من وجه آخر ، وهو أن الكل من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وعمر لا يكون سنة ، بل السنة فعل النبي صلى الله عليه وسلم فقط . وقد قيل إن المراد أن ذلك جائز قد وقع لا محذور فيه .
ويمكن أن يقال إن إطلاق السنة [ ص: 169 ] على فعل الخلفاء لا بأس به لما في حديث nindex.php?page=showalam&ids=143العرباض بن سارية عند أهل السنن بلفظ : { nindex.php?page=hadith&LINKID=21782عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين الهادين عضوا عليها بالنواجذ } الحديث . ويمكن أن يقال المراد بالسنة الطريقة المألوفة وقد ألف الناس ذلك في زمن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر كما ألفوا الأربعين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمن nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر . قوله : ( أخف الحدود ثمانين ) هكذا ثبت بالياء . قال ابن دقيق العيد : حذف عامل النصب ، والتقدير اجعله ثمانين . وقيل التقدير اجلده ثمانين . وقيل : التقدير أرى أن نجعله ثمانين . قوله ( : النعمان أو ابن النعمان ) هكذا في نسخ هذا الكتاب مكبرا . وفي صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : النعيمان أو ابن النعيمان بالتصغير . قوله : ( وعن حضين ) بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة . قوله : ( لا تعينوا عليه الشيطان ) في ذلك دليل على أنه لا يجوز الدعاء على من أقيم عليه الحد لما في ذلك من إعانة الشيطان عليه ، وقد تقدم في حديث جلد الأمة النهي للسيد عن التثريب عليها ، وتقدم أيضا { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر السارق بالتوبة ، فلما تاب قال : تاب الله عليك } .
وهكذا ينبغي أن يكون الأمر في سائر المحدودين . قوله : ( إنه لم يتقيأ حتى شربها ) فيه دليل على أنه يكفي في ثبوت حد الشرب شاهدان أحدهم يشهد على الشرب والآخر على القيء ووجه الاستدلال بذلك أنه وقع بمجمع من الصحابة ولم ينكر ، وإليه ذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك والناصر والقاسمية . وذهبت الشافعية والحنفية إلى أنه لا يكفي ذلك الاحتمال لإمكان أن يكون المتقيئ لها مكرها على شربها أو نحو ذلك . قوله : ( ول حارها ) بحاء مهملة وبعد الألف راء مشددة : قال في القاموس : والحار من العمل : شاقه وشديده . ا هـ . وقارها بالقاف وبعد الألف راء مشددة : أي ما لا مشقة فيه من الأعمال ، والمراد : ول الأعمال الشاقة من تولى الأعمال التي لا مشقة فيها ، استعار للمشقة الحر ، ولما لا مشقة فيه البرد . قوله : ( جمعا ) بضم الجيم وفتح الميم والعين لفظ تأكيد للشهادتين كما يقال جمع لتأكيد ما فوق الاثنتين .
وأجيب بأنه قد تعقب [ ص: 170 ] إجماع الصحابة على جلد الشارب ، واختلافهم في العدد إنما هو بعد الاتفاق على ثبوت مطلق الجلد ، وسيأتي في الباب المشار إليه الجواب عن بعض ما تمسكوا به . وقد ذهبت العترة nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة وأصحابه nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في قول له إلى أن حد السكران ثمانون جلدة . وذهب nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في المشهور عنه إلى أنه أربعون لأنها هي التي كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم وزمن nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر وفعلها nindex.php?page=showalam&ids=8علي في زمن nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان كما سلف . واستدل الأولون بأن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر جلد ثمانين بعدما استشار الصحابة كما سلف ، وبما سيأتي عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي أنه أفتى بأنه يجلد ثمانين ، وبما في حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس المذكور { nindex.php?page=hadith&LINKID=3144أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر نحو أربعين بجريدتين }
والحاصل أن دعوى إجماع الصحابة غير مسلمة ، فإن اختلافهم في ذلك قبل إمارة nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وبعدها وردت به الروايات الصحيحة ، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الاقتصار على مقدار معين بل جلد تارة بالجريد وتارة بالنعال وتارة بهما فقط وتارة بهما مع الثياب وتارة بالأيدي والنعال ، والمنقول من المقادير في ذلك إنما هو بطريق التخمين ، ولهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=9أنس : نحو أربعين ، والجزم المذكور في رواية nindex.php?page=showalam&ids=8علي بالأربعين يعارضه ما سيأتي من أنه ليس في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة ، فالأولى الاقتصار على ما ورد عن الشارع من الأفعال وتكون جميعها جائزة فأيها وقع فقد حصل به الجلد المشروع الذي أرشدنا إليه صلى الله عليه وسلم بالفعل والقول كما في حديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=36608من شرب الخمر فاجلدوه } وسيأتي ، فالجلد المأمور به هو الجلد الذي وقع منه صلى الله عليه وسلم ومن الصحابة بين يديه ، ولا دليل يقتضي تحتم مقدار معين لا يجوز غيره .