قوله : ( فأذن لي فأقول ) أي أقول ما لا يحل في جانبك . قوله : ( عنانا ) بفتح العين المهملة وتشديد النون الأولى : أي كلفنا بالأوامر والنواهي . وقوله : " سألنا الصدقة " أي طلبها منا ليضعها مواضعها . وقوله : " فنكره أن ندعه " . . . إلخ معناه نكره فراقه ، والحديث المذكور قد استدل به على جواز الكذب في الحرب وكذلك بوب عليه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري باب الكذب في الحرب . قال ابن المنير : الترجمة غير مطابقة ، لأن الذي وقع بينهم في قتل كعب بن الأشرف يمكن أن يكون تعريضا ، ثم ذكر أن الذي وقع في حديث الباب ليس فيه شيء من الكذب وأن معنى ما في الحديث هو ما ذكرناه في تفسير ألفاظه وهو صدق . قال الحافظ : والذي يظهر أنه لم يقع منهم فيما قالوه شيء من الكذب أصلا ، وجميع ما صدر منهم تلويح كما سبق ، لكن ترجم يعني nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لقول محمد بن مسلمة أولا ائذن لي أن أقول ، قال : قل ، فإنه يدخل فيه الإذن في الكذب تصريحا وتلويحا .
قوله : ( إلا في الحرب . . . إلخ ) قال الطبري : ذهبت طائفة إلى جواز الكذب لقصد الإصلاح ، وقالوا : إن الثلاث المذكورة كالمثال ، وقالوا : إن الكذب المذموم إنما هو فيما فيه مضرة وليس فيه مصلحة . وقال آخرون : لا يجوز الكذب في شيء مطلقا ، وحملوا الكذب المراد هنا على التورية والتعريض كمن يقول للظالم : دعوت لك أمس ، هو يريد قوله : اللهم اغفر للمسلمين ، ويعد امرأته بعطية شيء ويريد إن قدر الله ذلك ، وأن يظهر من نفسه قوة قلب ، وبالأول جزم nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي ، وبالثاني جزم المهلب والأصيلي وغيرهما . قال النووي : الظاهر إباحة حقيقة الكذب في الأمور الثلاثة لكن التعريض أولى . وقال ابن العربي : الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص رفقا بالمسلمين لحاجتهم إليه وليس للعقل فيه مجال ولو كان تحريم الكذب بالعقل ما انقلب حلالا ، انتهى .
ويقوي ذلك حديث الحجاج بن علاط المذكور ولا يعارض ما ورد في جواز الكذب في الأمور المذكورة ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من طريق nindex.php?page=showalam&ids=17092مصعب بن سعد عن أبيه في قصة عبد الله بن أبي سرح وقول الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم لما كف عن بيعته هلا أومأت إلينا بعينك قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=34548ما ينبغي لنبي أن يكون له خائنة الأعين } لأن طريق الجمع بينهما أن المأذون فيه بالخداع والكذب في الحرب حالة الحرب خاصة ، وأما حالة المبايعة فليست بحالة حرب كذا قيل وتعقب بأن قصة الحجاج بن علاط أيضا لم تكن [ ص: 303 ] في حال حرب قال الحافظ والجواب المستقيم أن يقال المنع مطلقا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم فلا يتعاطى شيئا من ذلك وإن كان مباحا لغيره ولا يعارض ذلك ما تقدم من أنه كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها فإن المراد أنه كان يريد أمرا فلا يظهره كأن يريد أن يغزو جهة المشرق فيسأل عن أمر في جهة الغرب ويتجهز للسفر فيظن من يراه ويسمعه أنه يريد جهة المغرب ، وأما أنه يصرح بإرادته المغرب ومراده المشرق فلا .
قال ابن بطال : سألت بعض شيوخي عن معنى هذا الحديث فقال الكذب المباح في الحرب ما يكون في المعاريض لا التصريح بالتأمين مثلا . وقال المهلب لا يجوز الكذب الحقيقي في شيء من الدين أصلا قال : ومحال أن يأمر بالكذب من يقول : { nindex.php?page=hadith&LINKID=37231من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار } ويرده ما تقدم . قال الحافظ : واتفقوا على أن المراد بالكذب في حق المرأة والرجل إنما هو فيما لا يسقط حقا عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها وكذا في الحرب في غير التأمين واتفقوا على جواز الكذب عند الاضطرار كما لو قصد ظالم قتل رجل وهو مختف عنده فله أن ينفي كونه عنده ويحلف على ذلك ولا يأثم . انتهى . وقال القاضي زكريا : وضابط ما يباح من الكذب وما لا يباح أن الكلام وسيلة إلى المقصود فكل مقصود محمود إن أمكن التوصل إليه بالصدق فالكذب فيه حرام وإن لم يمكن إلا بالكذب فهو مباح إن كان المقصود مباحا وواجب إن كان المقصود واجبا . انتهى .
والحق أن الكذب حرام كله بنصوص القرآن والسنة من غير فرق بين ما كان منه في مقصد محمود أو غير محمود ولا يستثنى منه إلا ما خصه الدليل من الأمور المذكورة في أحاديث الباب نعم إن صح ما قدمنا عن nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الأوسط كان من جملة المخصصات لعموم الأدلة القاضية بالتحريم على العموم .