صفحة جزء
باب ما جاء في الضبع والأرنب 3593 - ( عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمارة قال : { قلت لجابر : الضبع أصيد هي ؟ قال : نعم ، قلت : آكلها ؟ قال : نعم ، قلت : أقاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم } . رواه الخمسة وصححه الترمذي . ولفظ أبي داود عن جابر : { سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الضبع فقال : هي صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم } ) .

3594 - ( وعن أنس قال : { أنفجنا أرنبا بمر الظهران فسعى القوم فلغبوا ، وأدركتها فأخذتها فأتيت بها أبا طلحة فذبحها وبعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوركها وفخذها فقبله } . رواه الجماعة . ولفظ أبي داود : { صدت أرنبا فشويتها ، فبعث معي أبو طلحة بعجزها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيته بها } ) .

3595 - ( وعن أبي هريرة قال { : جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأرنب قد شواها ومعها صنابها وأدمها فوضعها بين يديه ، فأمسك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يأكل ، وأمر أصحابه أن يأكلوا } . رواه أحمد والنسائي ) .

3596 - ( وعن محمد بن صفوان : { أنه صاد أرنبين فذبحهما بمروتين ، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمره بأكلهما } . رواه أحمد والنسائي وابن ماجه ) .


حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمارة أخرجه أيضا الشافعي والبيهقي ، وصححه أيضا البخاري وابن حبان وابن خزيمة والبيهقي وأعله ابن عبد البر بعبد الرحمن المذكور وهو وهم ، فإنه وثقه أبو زرعة والنسائي ولم يتكلم فيه أحد ، ثم إنه لم ينفرد به .

وحديث أبي هريرة قال في الفتح : رجاله ثقات إلا أنه اختلف فيه على موسى بن طلحة اختلافا كثيرا .

وحديث محمد بن صفوان أخرجه أيضا بقية أصحاب السنن وابن حبان والحاكم .

قوله : ( الضبع ) هو الواحد الذكر ، والأنثى ضبعان ولا يقال ضبعة . ومن عجيب أمره [ ص: 138 ] أنه يكون سنة ذكرا وسنة أنثى فيلقح في حال الذكورة ويلد في حال الأنوثة ، وهو مولع بنبش القبور لشهوته للحوم بني آدم . قوله : ( قال نعم ) فيه دليل على جواز أكل الضبع . وإليه ذهب الشافعي وأحمد قال الشافعي : ما زال الناس يأكلونها ويبيعونها بين الصفا والمروة من غير نكير ، ولأن العرب تستطيبه وتمدحه . وذهب الجمهور إلى التحريم ، واستدلوا بما تقدم في تحريم كل ذي ناب من السباع . ويجاب بأن حديث الباب خاص فيقدم على حديث كل ذي ناب ، واستدلوا أيضا بما أخرجه الترمذي من حديث خزيمة بن جزء قال : { سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الضبع ، فقال : أو يأكل الضبع أحد ؟ } وفيه رواية : { ومن يأكل الضبع ؟ } فيجاب بأن هذا الحديث ضعيف لأن في إسناده عبد الكريم بن أمية وهو متفق على ضعفه ، والراوي عن إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف .

قال ابن رسلان : وقد قيل : إن الضبع ليس لها ناب . وسمعت من يذكر أن جميع أسنانها عظم واحد كصفيحة نعل الفرس ، فعلى هذا لا يدخل في عموم النهي . ا هـ . قوله : ( ويجعل فيه كبش ) فيه دليل على أن الكبش مثل الضبع .

وفيه أن المعتبر في المثلية . بالتقريب في الصورة لا في القيمة ففي الضبع الكبش سواء كان مثله في القيمة أو أقل أو أكثر . قوله : ( أنفجنا أرنبا ) بنون ثم فاء مفتوحة وجيم ساكنة : أي أثرنا : يقال نفج الأرنب : إذا ثار ، وأنفجته : أي أثرته من موضعه ، ويقال الانتفاج : الاقشعرار وارتفاع الشعر وانتفاشه . والأرنب دويبة معروفة تشبه العناق لكن في رجليها طول بخلاف يديها ، والأرنب اسم جنس للذكر والأنثى . قوله : ( بمر الظهران ) اسم موضع على مرحلة من مكة ، والراء من قوله بمر مشددة

قوله : ( فلغبوا ) بمعجمة وموحدة : أي تعبوا وزنا ومعنى قوله : ( صنابها ) بالصاد المهملة بعدها نون . قال في القاموس الصناب ككتاب . ا هـ . وهو صبغ يتخذ من الخردل والزبيب ويؤتدم به فعلى هذا عطف أدمها عليه للتفسير ، ويمكن أن يكون من عطف العام على الخاص قوله : ( بوركها ) الورك بكسر الراء وبكسر الواو وسكون الراء : وهما وركان فوق الفخذين كالكتفين فوق العضدين ، كذا في المصباح .

قوله : ( وأمر أصحابه أن يأكلوا ) فيه دليل على جواز أكل الأرنب . قال في الفتح : وهو قول العلماء كافة إلا ما جاء في كراهتها عن عبد الله بن عمرو بن العاص من الصحابة وعن عكرمة من التابعين وعن محمد بن أبي ليلى من الفقهاء . واحتجوا بحديث خزيمة بن جزء قال : { قلت : يا رسول الله ما تقول في الأرنب ؟ قال : لا آكله ولا أحرمه قلت : ولم يا رسول الله ؟ قال : نبئت أنها تدمي } قال الحافظ : وسنده ضعيف ، ولو صح لم يكن فيه دلالة على الكراهة ، وله شاهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ { جيء بها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يأكلها ولم ينه عنها وزعم أنها تحيض } أخرجه أبو داود [ ص: 139 ] وله شاهد أيضا عند إسحاق بن راهويه في مسنده وهذا إذا صح صلح للاحتجاج به على كراهة التنزيه لا على التحريم ، والمحكي عن عبد الله بن عمرو التحريم كما في شرح ابن رسلان للسنن .

وحكى الرافعي عن أبي حنيفة أنه حرمها ، وغلطه النووي في النقل عن أبي حنيفة . وقد حكى في البحر عن العترة الكراهة ، يعني كراهة التنزيه وهو القول الراجح .

التالي السابق


الخدمات العلمية